حوار لم ينشر مع الجابري : الدولة الفلسطينية المستقلة مستحيلة والحل فيدرالية متعددة القومية

الديمقراطية أساس أي مشروع للنهوض الحضاري

نعيش بقايا عصر الانحطاط الفكري.. والتحولات المطلوبة تتحقق بعد قرون

فاس- العزب الطيب

المفكر المغربى الدكتور محمد عابد الجابري الذي غيبه الموت في بداية الشهر الجاري شكل مشروعه الفكرى في نقد العقل العربي علامة مضيئة على مسار الثقافة العربية التى اسهم في رفع قامتها عبر سلسلة من المؤلفات التى مثلت ما يمكن وصفه بالثورة في الفكر العربي وان كان هو يتواضع ويقيم نفسه واحدا ضمن مجتهدين كثر..

لست في حاجة الى الاشارة الى سلسلة مؤلفاته واسهاماته في التجديد الفكرى وال حضاري العربي لكن يمكن القول ان الرجل الذى غادرنا دون ان يرى ثمار جهده على النحو الذى كان يأمل وكنا نأمل معه فيه سيظل شعلة تضيء للاجيال العربية طريقا رسم ملامحه باتجاه اعادة صياغة مسار الامة على نحو يعيد الاعتبار للعقل والتقدم والحرية.

وازعم اننى كنت واحدا من المحظوظين الذين أتيحت لهم الفرصة للالتقاء بالدكتور الجابري سواء في الدوحة خلال فترة عملى التى امتد فيها الى نحو عشرين عاما او في فاس المدينة العريقة في المغرب الشقيق فهو كان ضيفا رفيع المستوى على فعاليات الدوحة الثقافية والفكرية وكان موضع احترام وتقدير من نخبها مثلما هو الحال في العواصم العربية وخلال ذلك كنت انتهز فرصة وجوده لمحاورته والتعرف على مقارباته وهو ما نشرته حينها ولكن خلال مشاركتى بمدينة فاس المغربية في ندوة موسعة نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بقيادة الدكتور خير الله حسيب في عام 2002 ان لم تخني الذاكرة وكانت بعنوان نحو بناء مشروع عربي حضاري جديد اتيحت لى فرصة اكثر اتساعا للجلوس اليه ومحاورته في قضايا عدية فكرية وسياسية خصوصا فيما يتعلق بمشروعه الخاص بنقد العقل العربي وتطلعه الى بنية فكرية جديدة تقوم على العقلانية والديمقراطية والعقلانية والقبول بالاخر بيد ان الاحداث التى اخذت تتسارع في الوطن العربي ومن بينها الاستعدادات الامريكية لغزو العراق ثم عملية الغزو وتداعياتها شغلتنى عن هذا الحوار وغيره من حوارات مع مفكرين وسياسيين عرب ومنهم الدكتور هشام شرابي الذى وافته المنية قبل ثلاث سنوات وكثيرين سأعود اليهم فيما بعد.

وبعد الاعلان عن وفاة الدكتور الجابري رأيت من الضرورى نشر هذا الحوار الذى يكشف عن مناطق جديدة في مشروعه الفكرى خاصة اننى عثرت عليه وانا اقلب بين دفاتر واشرطة زمن الدوحة هنا نص الحوار الذى ما زالت قضاياه مطروحة في الساحة الفكرية العربية وان لم تعثر على اجابات قاطعة بعد.

mdash; هل ترى أن ثمة جدوى لمشروع عربي نهضوى حضاري جديد ام أن المسألة مجرد رغبة في اعادة انتاج مضامين سابقة واسترجاع أحلام من خانة الماضى؟

* شخصيا انظر الى هذه الندوة والنقاشات التى جرت فيها من زاوية اخرى انها اولا اتاحت الفرصة لهؤلاء الذين شاركوا فيها وجلهم من كبار المثقفين والمفكرين العرب للقاء فيما بينهم وذلك في حد ذاته من الاهمية بمكان اما ان يخرج عنها مشروع للمستقبل فهو في الحقيقة فيمكن القول بنعم او لا نعم لأن المشاركين في الندوة يحملون هم المستقبل وربما لا لاننى لا أعتقد انها ستقود الى تأسيس تنظيم حزبى أو شبه حزبى يأخذ على عاتقه تبنى مثل هذا المشروع وعلى اى حال فان موضوع الندوة يشكل في الظرف الراهن نوعا من التمرد على العولمة وثقافتها السائدة والرجوع الى الموقف الوطنى ومن هذه الزاوية فان الندوة ايجابية بدون شك.

mdash; لكن هل ترى ان ثمة حاجة الى مشروع عربي جديد على هذا الصعيد؟

* نعم هناك حاجة دائمة وضرورية لمثل هذه المشروع ففى خلال الحقب الاستعمارية في القرن التاسع عشر وحتى الخمسينيات من القرن الفائت كانت الوحدة العربية ضرورية لاستكمال التحرر الوطنى واليوم ايضا mdash; ولو ان التحرر لم يكتمل بنسبة المائة في المائة بفعل وجود فلسطين تحت الاحتلال الصهيونى mdash; لم يكن العراق قد وقع في قبضة الاحتلال الامريكى بعد mdash; فان ثمة حاجة الى مشروع عربي نهضوى حضاري عربي لاعادة النظر في مطلب الوحدة من خلال حاجة العرب في عصر العولمة التى تبدو ماسة الى نوع من التكتل والتضامن والوحدة ايضا فتحدى العولمة في حد ذاته يفرض على النظام الاقليمى العربي تحركا جادا لبناء مثل هذا التكتل والتضامن فيما بين مفرداته فالان القطب الواحد الامريكى يجد نفسه في مواجهة اقطاب اخرين مثل القطب الاوروبى والقطب الاسيوى وهو ما يتعين معه بناء قطب عربي يمتلك القدرة على التعامل مع هذه الاقطاب وفى ظل هذه المعطيات الجديدة فان الوحدة ستكتسب مضمونا جديدا وبالتالى فانه لا بأس من المطالبة بمشروع عربي نهضوى حضاري جديد وكذلك الامر بالنسبة للتنمية خاصة بعد ان اضحى من الصعوبة بمكان بناء ما كان يسمى بالتنمية المستقلة في العقود السابقة ومع ذلك فانه يجب في اطار العولمة ذاتها تجديد النظر فيها وتحويلها الى مشروع قابل للتفكير والتطبيق بالاضافة الى اعادة النظر في مسألة الديمقراطية بحيث تشكل بالنسبة للأقطار العربية مشروعا مستقبليا. اذن نحن في حاجة دائمة الى عملية دائمة لاعادة نظر في احوالنا من زاوايا جديدة بما يتوافق مع المعطيات التى تفرضها المتغيرات العالمية على كافة الصعد.

mdash; لكن معطيات الواقع العربي الراهن تبدو في معظمها سلبية وغير مبشرة بامكانية بناء المشروع الحضاري النهضوى الجديد فثمة تدهور اقتصادى وتردٍ اجتماعى فضلا عن غياب الاداء السياسى الرشيد بالاضافة الى أن الاوضاع الاقليمية والدولية لم تعد عنصرا محفرا بهذا الاتجاه هل تتفق مع هذه الرؤية؟

* اعتقد ان الحاجة الى مشروع نهضوى تبررها هذه المعطيات التى تشير اليها ومن هنا لا يمكن تصور أن الولايات المتحدة تسعى الى مشروع نهضوى لانها هى بالاساس ناهضة وانما تسعى الى مشروع للهيمنة على العالم ولكن العرب في حاجة الى مثل هذا المشروع لانهم في حاجة الى استكمال نهضتهم واذا كانت ثمة معطيات سلبية مثلما جاء في سؤالك فان ذلك يوفر مبررات قوية للتخلص منها والمضى باتجاه بناء هذا المشروع.

mdash; من الواضح أن هذا الطرح ما زال على مستوى النخب الفكرية والثقافية ولكنه ما زال بعيدا عن دوائر النخب السياسية الحاكمة التى ربما تنظر اليه باعتباره رجعية سياسية الان وهو ما يعنى ان ثمة مسافة بين صانع القرار والافكار التى يطرحها المثقفون والمفكرون وهو ما يجعلنى اتساءل عن امكانية مقاربة هذا المشروع في الواقع العربى؟

* ما دامت الديمقراطية تشكل جزءا من المشروع النهضوى ومن العمل العربي الراهن فانها يمكن ان تنقل طروحات وتوجهات وهموم النخب الفكرية والثقافية الى السلطة السياسية الحاكمة باعتبارها افرازا للارادة الشعبية من النخب فالحكام هم في العادة ينتمون الى النخب ومن ثم فان الديمقراطية من شأنها تصحيح الاوضاع وتدفع الحكام الى التفاعل مع مقاربات النخب في هذا الشأن انك تثير بذلك الهم الاكبر في الوطن العربي وهو المتعلق بالديمقراطية وعلى الرغم من وجود هامش ديمقراطى في بعض الاقطار يتسع او يضيق وفق الظروف السائدة كمصر والاردن والمغرب والكويت وربما تونس لكنها ما زالت تمثل ما يمكن وصفه بالحالة المستعصية او في حالة خصومة مع العديد من النظم العربية فهل ترى امكانية نشوء خيار ديمقراطى أكثر اتساعا وحيوية وتفاعلا مع احلام الجماهير العربية وان لم يكن من الضرورى ان يقوم وفق المنظور الغربى وانما ينسجم مع الخصوصية العربية؟

* قناعتى ان جوهر الديمقراطية واحد سواء في الشرق او في الغرب لا انفصام فيما بين مبادئها فهى تنهض على انتخاب الحكام وفق قواعد الاقتراح الحر ثم يخضعون للمساءلة والمحاسبة من المؤسسات المعنية مع تأكيد الفصل بين السلطات، وهى كلها أمور لا تخضع لما يسمى بالخصوصيات فاذا تحققت بهذا الشكل أو ذاك فهى ديمقراطية لكن لا يوجد مايسمى بالديمقرطية الشرقية أو الغربية، هناك حاكم سواء منتخبا او تولى السلطة بالوراثة في النظم الملكية لابد أن يخضع للمراقبة والمحاسبة وهناك حاكم لا يخضع للمساءلة هنا يكمن المعنى العميق للديمقراطية.

mdash; يبدو ان بعض التيارات قد تخاصم الديمقراطية مثلما اشار البعض الى التيار الاسلامى تحديدا؟

* التيار الاسلامى ليس بوسعه ان يخاصم او يعترض على وجوب انتخاب ومحاسبة ومراقبة الحاكم من قبل البرلمان او الشعب أو ان تكون هناك سلطة القانون لا احد بمقدوره ان يعارض ذلك لا من موقع دينى او من منطلق الحداثة او اى منطق اخر فالاستبداد ليس له منظرون يدعون اليه والاسلاميون في الحقيقة لهم مشاغل ومطالب أخرى فهم يبحثون عن مواقع لهم في السلطة وفى المجتمع وبالمناسبة لا انظر اليهم من مفهوم دينى وانما كجماعة او كنخب قديمة او جديدة تطالب بحقها في الوجود وبحقها في المجتمع.

mdash; الا تلاحظ غياب البعد الاسلامى في المشروع العربي النهضوي المطروح؟

* لا اعتقد انه غائب لأن اسس ومرتكزات هذا المشروع لا تتعارض مع الاسلام ومن ثم فان كل ما لا يتعارض مع الاسلام فهو اسلامى فالتنمية المستقلة والوحدة والديمقراطية وغيرها من قواعد هذا المشروع لا يمكن ان تتعارض مع الاسلام الذى يحض عليها بصيغ عديدة ويمكننى القول ان كل ما يحقق المصلحة العامة ويتجاوب مع متطلبات المجتمع ككل هو اسلامى بالضرورة بعيدا عن المصطلح الذى تستخدمه بعض الجماعات أو الاحزاب.

mdash; كيف تنظر الى تبني بعض جماعات الاسلام السياسى لمنهجية العنف في بعض الاقطار العربية هل يتوافق ذلك مع متطلبات المشروع الحضاري العربي الجديد؟

* العنف ظاهرة بشرية موجودة باستمرار في التاريخ غير اننى اعتقد ان الانسان في مثل الاوضاع الحالية يلجأ الى العنف عندما لا تكون هناك وسائل أخرى ديمقراطية متاحة ولو توافرت هذه الوسائل نسبيا فلن يكون هناك مجال للجوء للعنف.

mdash; انت تقود مشروعا لنقد العقل العربي والتجديد الحضاري منذ اكثر منذ ثلاثين عاما وامام الندوة تحدثت بقدر من المرارة عن غياب تأثير هذا المشروع في الواقع العربي فهل يعنى ذلك انه لم يكن ثمة مردود لمشروعك لدى النخب الفكرية العربية او انها لم تصل بعد الى درجة القناعة المطلوبة به؟

* الامر ليس على هذا النحو فانا لست داعيا الى مذهب معين ولكنى mdash; ان جاز لى القول mdash; باحث اكاديمى جامعى ابدي رأيي في مفردات عديدة في الواقع العربي ومشروع نقد العقل العربي هو محض اجتهاد فكرى لمثقف عربي ضمن اجتهادات اخرى ومن جهتى وحسب ما يمكن ان اؤكده فان اصداء ما اكتب عند الجميع هى ايجابية على وجه العموم..

mdash; هذا صحيح لكن هل شعرت أن ثمة تغييرا حدث في الذهنية العربية النخبوية mdash; ان صح التعبير mdash; في التعامل مع قضايا التجديد الحضاري وتفعيل دور العقل في الواقع؟

* بالتأكيد ثمة تغيير ولكن لا يجب ان انسبه لما انتجته انا وانما هناك اخرون قدموا مساهماتهم الفكرية فهناك هم مشترك في هذا السياق وثمة حراك نشط في الفكر العربي وتحولات تجرى ويجب ان نكون واعين بأن نتائج التحولات في مجال الفكر والثقافة لا تتبلور بين ليلة وضحاها فهى تتطلب تراكما قد يمتد الى قرون وليس على عقود ومن ثم فان القديم سيظل قائما في الواقع ولن يكون بالامكان ازالته خلال سنوات معدودة من عقول الناس ورفدها بالجديد على الفور لذلك فان ما تقدمه النخب الفكرية في هذا المضمار هو حواشٍ على نصوص موجودة.

mdash; على الرغم من كل الكتابات التى تدعو الى تفعيل دور العقل العربي خلال العقود الاخيرة سواء في المشرق او المغرب العربي فان الملاحظ ان مقاربة الابعاد الميتافيزيقية والغيبية تحظى باهتمام واسع ليس من الجماهير العربية وانما من بعض دوائر النخب الفكرية والثقافية؛ على سبيل المثال هناك مقاربات كثيرة تتعلق بالجان واستحضار الاراوح والسحر والبحث عن قوى اخرى غير بشرية للمساعدة في التعامل مع مشكلات الواقع وهو ما يؤشر الى حجم مخاصمة العقل في الواقع العربي، كيف ترى ذلك؟

* هى ظاهرة انسانية وهناك بعض التعاريف الفلسفية التى ترى ان الانسان حيوان ميتافيزيقى واذا كان هناك في مجتمعاتنا من يعنى بالموضوعات التى تتعلق بالجن واستحضار الارواح والسحر وما شابه ذلك فان الاهتمام بمثل هذه الموضوعات اكبر في اوروبا والولايات المتحدة واسيا وهى البلاد المعروفة باعطاء المساحة الاوسع للعقلانية والتفكير العلمى وهو ما يعكس ان الامر ظاهرة انسانية مصاحبة للبشر اينما كانوا واعتبرها طبيعية.

mdash; ثمة وصف للعقل والفكر العربي بأنه يعيش حالة انحطاط في بعض الادبيات فهل توافق على ذلك؟

* يمكننى القول ان ما يمكن وصفه بعصر الانحطاط بدأ mdash; ان شئت mdash; منذ القرن العاشر الهجرى فقد سادت فيه الخرافات وتكرس اغلاق باب الاجتهاد الى اخره وللاسف لم نتخلص منه بعد بشكل كلى لذلك هو ما زال حاضرا بشكل او اخر وهو ما يصح القول معه ان العقل العربي ما زال يعانى من بقايا عصر الانحطاط.

mdash; في رأيك كيف يمكن مواجهة واحتواء هذا الانحطاط؟

* هناك وسائل متعددة في مقدمتها تعميم التعليم العصرى والوطنى والعقلانى القائم على التفكير العلمى بمفاهيمه المختلفة الامر الذى من شأنه ان ينتج حالة عقلانية تسود الواقع العربي وتسهم في القضاء على الامية والجهل وبناء الثقافة العلمية

mdash; كان مطروحا منذ سنوات ان الفكر العربي يعانى من ازمة مستحكمة هل ما زالت هذه الازمة مستمرة ام تم احتواؤها؟

* اذا شئت جوابا فلسفيا أقول ان الفكر الذى لا يعيش ازمة هو فكر ميت لانه لا يفكر وان يكون الفكر في ازمة بالمعنى السائد فذلك يعنى انه لم يعثر بعد على حلول مقبولة وواعدة لكثير من المعضلات والمشكلات التى يعانيها وبالتالى فانه لا يستطيع ان ينتج الفكر مشروعا او نظرية يفسر بمقتضاها ظاهرة من الظواهر او امرا من الامور فقد نقول عندئذ انه يعانى من ازمة بحسبانه انه لم يتمكن من بلورة الحلول النظرية ولكن ليس من الضرورى ان يكون لها ظلال في الواقع ويستمر الفكر في البحث عن حلول اخرى.

mdash; لكن المعضلة الرئيسية ان المسافة واسعة بين مقتضيات الفكر وامكانية التطبيق في الواقع العربي فلماذا تتسع هذه المسافة يوما بعد يوم؟

* الواقع العربي يتسم في حد ذاته بالتعقيد فالمطالب كثيرة ولعل في مقدمتها كيفية الانتقال الى الديمقراطية وتلك معضلة ليست يسيرة فثمة نظم سياسية مستبدة وعندما تطالبها بالديمقراطية فذلك يعنى تجريدها من قسط واسع من سلطانها او تغادر مواقعها والسؤال هنا كيف يمكن دفع هذه النظم الى الانصراف لتحقيق الديمقراطية هل عبر القوة العسكرية وقد خبرنا هذا الطريق وما نتج عنه من تداعيات او بالقوة الجماهيرية وقد جربنا هذا السبيل ولم يفض الى المطلوب وهل تنصرف بتنازلات جزئية وهامشية اذن المشكلة ليست سهلة

الامر نفسه ينطبق على القضية العربية المركزية mdash; فلسطين mdash; ويتساءل الجميع: ما الحل الناجع لها لانهاء الاحتلال الاسرائيلى واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى؟

لذلك اقترحت في مداخلتى امام الندوة التوصل الى الحل الفيدرالى عبر فكرة اقامة الكانتونات في الاراضى المحتلة؟

mdash; هل تقصد بالكانتونات اقامة كانتونات فلسطينية ثم اسرائيلية على ان تتجمع معا في اطار فيدرالى؟

* عندما طرحت هذه الفكرة كان امامى النموذج السويسرى الذى ارى انه يجب ان يطبق على الحالة الفلسطينية التى تفرض عليه معطياتها ثم يتحول الى مشروع يختلف كثيرا او قليلا عن النموذج السويسرى.

mdash; الا ترى ان من شأن ذلك ان يجهض مشروع التحرر الوطنى في فلسطين وبالتالى يجهض كل التضحيات التى قدمت من اجله؟

* التضحيات التى قدمت من قبل يجب ان تصل الى هذه القناعة التى طرحتها وهى ان المشروع الصهيونى سينتهى اذا تم الدخول في دولة فيدرالية وفق النمط السويسرى الذى يعترف بالتعدد القومى.

mdash; في تقديرك الى اى مدى يمكن ان تقبل النخبة الصهيونية الحاكمة بمثل هذا الطرح؟

* في تقديرى ان المجتمع الاسرائيلى هو في حاجة الى كانتونات في ضوء ما يتسم به من تعدد اثنى في سكانه القادمين من انحاء شتى من العالم فهناك الروس وهناك اليهود الشرقيون وهناك اليهود الغربيون ويهود فلاشا والفلسطينيون المقيمون منذ حرب 1948 والامر نفسه يمكن قوله عن الفلسطينيين في ظل حالة الانقسام فيما بينهم بين الضفة الغربية وقطاع غزة والتعدد الدينى بينهم الى جانب ذلك هناك تداخل بين الفلسطينيين واليهود وهو ما يستوجب الدخول في كانتونات تمهد لدولة فيدرالية.

mdash; الا يمكن ان يتوافق هذا الطرح مع فكرة الفصل العنصرى للفلسطينيين داخل الدولة العبرية؟

* هذا غير ممكن ولن يكون هناك فصل عنصرى ولكن سيكون هناك كانتون لكل مجموعة عرقية او دينية او سياسية في اطار دولة فيدرالية واحدة فالمتطرف اليهودى او العلمانى اليهودى يكون له كانتونه الخاص وكذلك الامر بالنسبة للمسلم الفلسطينى والمسيحى الفلسطينى وداخل هذه الكانتونات ستتشكل احزاب سياسية ستشكل العامل الاساسى الذى يقود الى بناء الدولة الفيدرالية اكثر من الكانتونات نفسها والتى لن تكون اكثر من مخيمات تمارس فيها الحياة اليومية وعلى اى حال هذه الامور تدخل في اطار التصورات التى اطرحها كمفكر عربي يرى ان الامور وصلت الى حالة من انسداد الافق بالنسبة لانشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على النمط المتعارف عليه ومن ثم فان الفكر العربي يحاول ان يعثر على بدائل.

mdash; هل افهم من ذلك انك ترى ان اقامة الدولة الفلسطينية تبدو مستحيلة؟

* هذا ما اود ان اقوله لاسباب موضوعية واقليمية ودولية واسرائيل نفسها لن تقبل بهذه الدولة ولعل التطورات الاخيرة تؤكد هذا المنحى فاسرائيل تعيش ازمة وجود فضلا عن ازمة اخرى يواجهها مشروع التحرر الوطنى الفلسطينى وليس من سبيل لتجاوز الازمة بتجلياتها الفلسطينية والاسرائيلية الا فكرة الدولة الفيدرالية القائمة على اساس الكانتونات لدى الجانبين وألفت في هذا الصدد الى ان ما اطرحه لا يختلف كثيرا عن الطرح الذى دعا اليه الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات باقامة دولة علمانية ديمقراطية تجمع القوميتين الفلسطينية والاسرائيلية معا ولا اظن ان ثمة حلا اخر.