طيب تيزيني


ظهر الحديث عن quot;تقرير كامبل بنرمانquot; البريطاني في الكتابة العربية منذ 23 سبتمبر عام 1957، حن ألف أنطوان سليم كنعان محاضرة طويلة حوله. ولقد نشأت مشكلة توثيقية في هذا الخصوص، تتصل بمدى مصداقية التقرير المذكور: هل هو موجود حقاً، أم أنه وهم صنعه طرف سياسي أو آخر؟ هذا التقرير يقوم على أن سليم كنعان نقل عن مصدر هندي ما اعتُبر راوية لمؤتمر حول الاستعمار عقده quot;كامبل بنرمانquot;، في عام 1907، حين كان وزيراً للخارجية البريطانية.

وقد شارك في المؤتمر المذكور عدد كبير من ذوي الاختصاص بالشأن الاستعماري، السياسي والاستراتيجي، وهم جميعاً ينحدرون من سبع دول أوروبية استعمارية. وبحسب التقرير، فقد كلَّف quot;بنرمانquot; الباحثين المشاركين بالتفكير في خطة للوقوف في وجه تحقيق وحدة عربية في غرب آسيا وشمال أفريقيا، وذلك عبر إقامة كيان في فلسطين يقف حائلاً دون تحقيق هكذا وحدة عربية. (راجع ذلك في كتاب للدكتور جورج جبور: quot;وعْد بلفورquot;- طباعة الإدارة السياسية بدمشق، عام 2009، ص 316 -326). وفي هذا السياق أشار الدكتور جبور إلى مقالة كتبتُها حول هذه المسألة أتيتُ فيها على ذكر بنرمان. وقد رأى في ذلك خطأ مني، أن أذكر وثيقة تاريخية دون العودة إلى المظانّ الأصلية لها، للتأكد من صحتها. ونقول في ذلك، إن الرجل أصاب في هذا مشكوراً. بيد أنه للأمر وجهين اثنين، قد يصح الركون إلى ثانيهما، وهو وجه لم يأت عليه الدكتور جبور. فالباحث في حدث تاريخي ما، لا يجد نفسه مضطراً لتخصيص فصل أو فقرة للتدقيق في صدقية ذلك الحدث تاريخياً من حيث وجوده أساساً، إذا وجد نفسه أمام المعطيات التالية: 1) إقراره بوجود الشخص الوارد اسمه في الحدث، وفي الزمان والمكان الوارد ذكرهما في الوثيقة. 2) ظهور عدد من الدراسات التي لا ترفض الإقرار بالوثيقة المعنية هنا. 3) ظهور الوثيقة المعنية في مرحلة سوسيوثقافية وسياسية تحتمل هذا الظهور ولا تتعارض معه، بل تشجع عليه كذلك. 4) إن هذا المعطى الأخير ذو أهمية خاصة من موقع أن quot;وثيقة بنرمان كامبلquot; أتت عام 1907، وكأنها مقدمة لظهور معاهدة سايكس-بيكو الاستعمارية، التي ظهرت في 16 مايو 1916، أولاً، ومدخلاً عالمياً إلى وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر من عام 1917، ثانياً.

على ذلك النحو، لم تأت quot;وثيقة كامبل بنرمانquot; خارج سياق الأحداث التي هيأت للهيمنة الاستعمارية على قسم كبير من بلدان العالم العربي. ومن ثم، يمكن النظر إليها على أنها حقيقية في نشأتها وفي تعبيرها عن واقع الحال، مما قد يجعلنا نرى فيها وثيقة quot;موضوعيةquot; ذات مضمون تاريخي واقعي، كما تشير الأحداث اللاحقة عليها.