جهاد الخازن
اليوم بدء بطولة كأس العالم في كرة القدم في جنوب افريقيا، وسأتابع بعض المباريات على التلفزيون بحذر لأن الطبيب قال لي ان صحتي لا تتحمل الإثارة ما جعلني أختار بين الفرق العربية تأييد فريق الزمالك.
أسرع فأقول انني أهذر قبل ان يهدر دمي فمشجعو الكرة لا يتحملون المزاح (الترْيَقَة بالمصري) إذا كان هدفه فريقهم المفضل. وأنا في الأصل أهلاوي، فقد تعلمت القراءة في الخمسينات، وكان في بيت أهلي مكتبة ضمت مجلة laquo;الهلالraquo; وكتاب laquo;الهلالraquo; و laquo;المصورraquo; و laquo;الاثنينraquo; و laquo;الكواكبraquo; و laquo;سميرraquo;، في ذلك الزمان السحيق كان فكري أباظة باشا رئيس النادي الأهلي، ورئيس تحرير laquo;المصورraquo;، ونقيب الصحافيين، فانتصرت له ولناديه ولا أزال.
ما سبق يعني أنني لا أزال أفضل الظظوي والفناجيلي على رونالدو وميسي وروني وكاكا. أعمل إيه؟ وِشْ فقر والحمد لله.
في الإنكليزية هناك عبارة laquo;أرامل الكرةraquo; فعندما يبدأ الموسم يهمل الزوج زوجته ويجلس في laquo;كنبةraquo; أمام التلفزيون حتى ينتهي الموسم. وأرملة من هؤلاء وقفت امام زوجها المدرب وهي بملابس شفافة وقالت له مهددة: أما ان تلعّبني أو تبيعني.
أما اللاعب في أحد شوارع الحي فقال لجاره ان هناك لعبة بعد الظهر بين الجيران. ورد الجار انه لا يستطيع اللعب لأن عنده موعد غرام مع حسناء. واتهم الأول الثاني بأنه مصاب بالشذوذ الجنسي لأنه يفضل الحسناء على الكرة.
مع ذلك أجد ان سخرية مثقف من الكرة نوع من الفوقية، خصوصاً أن اللاعب يتقاضى الملايين عن اللعب، وأن laquo;المسكّفraquo; إياه يقبض قروشاً عن محاضرة أو مقال. ونعرف أن أجر انتقال بعض كبار اللاعبين من فريق الى فريق مئة مليون يورو أو دولار، أو ما يكفي لدفع الدين القومي على اليونان.
كرة القدم محصنة ضد الأزمة المالية العالمية، و laquo;الفيفاraquo; ستقبض ثلاثة بلايين دولار من الميديا المفلسة مقابل تغطية كأس العالم 2010، وهي ستدفع 400 مليون دولار جوائز للفائزين، أي ما يزيد 60 في المئة على كأس 2006، ومنها 30 مليون دولار للفائز بالكأس و20 مليوناً للثاني، أي الذي يخسر في المباراة النهائية. وقد أنفقت جنوب افريقيا بليوني دولار على بناء خمسة ملاعب جديدة وتأهيل خمسة ملاعب موجودة، وهذا في بلد يعيش 50 في المئة من أهله دون حد الفقر.
أمام ارقام اللاعبين والفيفا أعود غيظاً الى الهذر مستهدفاً اللاعبين والمتفرجين، فبعد ان انتقلت الى اميركا في الثمانينات وجدت ان عندهم تقليداً في الملاعب هو استخدام فريق بنات حسان جداً من المشجعات اللواتي يرتدين قمصان الفريق وشورتات أقصر من شورتات اللاعبين ويهتفن ويرقصن ويمارسن حركات رياضية أثناء توقف اللعب تشجيعاً للفريق، غير ان ما استعصى على فهمي في حينه وحتى الآن هو أن لاعباً يسجل هدفاً ويتبادل اللاعبون العناق والتقبيل بدل ان يقبّلوا المشجعات الحسان.
لا أفهم ايضاً ان يوجد في الملعب 22 لاعباً يتمتعون بلياقة بدنية عالية، ومع ذلك يمارسون التدريب والرياضة كل يوم، وأن يوجد حولهم 50 ألف متفرج سمين لا يمارسون من الرياضة شيئاً غير فتح باب الثلاجة في مطبخ البيت.
ما أفهم هو ان الفائز بكأس العالم لن يكون عربياً أو افريقياً فتاريخ الكأس لا يشمل فائزين من خارج أوروبا وأميركا اللاتينية، وأتوقع أن أرى لعباً مثيراً ولاعبين من أعلى مستوى، ما يجعلني أتحسر على مستوى الكرة (وكل شيء آخر) في بلادنا، مستوى الكرة يعني أن أرى أعلام إسبانيا وألمانيا والبرازيل على سيارات في شوارع المدن العربية عشية الكأس، وأعترف بأنني لم أر أعلاماً جزائرية مرفوعة على سيارات مصرية.
سمعت ان فريقاً في أحد بلدان شبه الجزيرة العربية (ويلاحظ القارئ أنني لا أحدد البلد جُبناً) سيبني سقفاً فوق الملعب، واستغربت ذلك لندرة المطر في بلادنا، ثم سمعت ان سبب بناء السقف هو لإبقاء ركلات الجزاء داخل الملعب.
وهذا يظل أخف وطأة من قرار فريق أميركي فاشل ان يجعل أرض الملعب من الحشيش البلاستيكي الاصطناعي. وقال مدرب الفريق الغاضب أن السبب هو ان اللاعبين أكلوا الحشيش الطبيعي.
في بلادنا هناك كل مصيبة كروية غير أكل الحشيش، ولن أنكأ جراحاً بالعودة الى الماتش المشهور بين مصر والجزائر، فقد كنت في القاهرة ورأيت كيف يضيع النضال المشترك بين أقدام اللاعبين وعقول المتفرجين، وقد أدركت مع تلك التجربة ان الذي يقول: معلهش، كله ماتش كورة، لا بد ان يكون من الجانب الفائز.
شخصياً كنت أستطيع ان اصبح لاعباً دولياً يقبض الملايين، إلا أنني لم أستطع توقيع أي عقد لإصراري على ان آخذ إجازة في نهاية الأسبوع كبقية الناس.














التعليقات