خالد عبدالله المشوح
إذا رجعنا إلى التنظيم النسائي الذي لم تتضح ملامحه بعد، فإن مغذيه الأول هو الوعظ على النطاق الضيق وتكوين دوائر صغيرة تحس بالانتماء إلى موجهتها الدينية ومن ثم تتوسع الدائرة لتشمل قطاعا أكبر
قصة القبض على أم الرباب المرأة الأولى في التنظيم النسائي للقاعدة في السعودية أثارت الكثير من التساؤلات وأن ثمة مبالغة في حجم الصدمة من الدور الذي قامت به، فما هي قصة التنظيم النسائي في السعودية وإستراتيجية القاعدة في تحريك خلاياه؟
بالعودة إلى الوراء والنظر في أدبيات التنظيم نجد أن التنظيم مر بمراحل في تعامله مع المرأة في التنظيم ودورها فإذا كان الرجل الثاني في التنظيم وهو أيمن الظواهري يرى أن النساء ليس لهن مكان في التنظيم وأن دورهن يقتصر على المنزل فقط، فقد خالفه واقع التنظيم الذي حرص منذ البدايات على تأسيس خط ثان للتنظيم من النساء يتم استغلاله عند الحاجة. هذه الحاجة لم يتم تحديد ماهيتها في التنظيم، ففي عام 1425هـ أصدر التنظيم أول مجلة نسائية بعنوان (الخنساء) صدر العدد الأول منها فقط، ولم تستمر نتيجة الحصار الأمني الكثيف، وركزت المجلة في عددها الوحيد على دعوة النساء إلى الجهاد والمشاركة فيه وتقديم الدعم اللوجستي ولم تكن هناك دعوة مباشرة لعمل عمليات انتحارية أو دعوة النساء لتفجير أنفسهن.
هذا التحول لقي قبولا كبيرا من أفراد التنظيم، حيث قلل الفجوة بين كوادر التنظيم وعائلاتهم إذ تم إشراكهم في بعض العمليات اللوجستية التي قللت من الفجوة وساهمت في خلق فرص جديدة للتنظيم، لاسيما فيما يتعلق بالدعم اللوجستي وجمع الأموال، بالإضافة إلى سد العجز الذي بدا يواجه التنظيم في استقطاب واستغلال كوادر رجالية جديدة في التنظيم.
أما نقطة التحول الكبيرة فتعود إلى زعيم التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي عندما أعلن عن تجنيد امرأة لتنفيذ عملية انتحارية في بلدة تلعفر القريبة من الحدود السورية في سبتمبر2005. ثم قيامه بتشجيع النساء وحثهن على المشاركة في العمليات الانتحارية الأمر الذي أدى إلى استجابة العشرات من النساء في العراق واللائي ذهبن ضحايا لتلك الدعوات، ومن ذلك قيام العراقية ساجدة الريشاوي بالتسلل إلى الأردن لتنفيذ عملية انتحارية في أحد فنادق العاصمة الأردنية برفقة زوجها وانتحاريين، لكنها فشلت في تفجير نفسها وتم القبض عليها فيما نفذ زوجها ورفيقاه العملية التي أودت بحياة الأبرياء.
هذا المفترق الرئيسي في استخدام التنظيم بشكل عام للمرأة في العمليات الانتحارية ألقى بظلاله على أضلع التنظيم المتواجد في أنحاء العالم لاسيما القريبة منه كالسعودية، ونظرا لاختلاف الطبيعة الاجتماعية فإن النظريات التي تتعلق بالمرأة ليس من السهل تمريرها في كل المجتمعات بنفس الشكل والصورة.
وبالنظر إلى واقع المرأة في التنظيم نجدها على نوعين:
النوع الأول: من تتم الاستفادة منهن في الدعم كإدارة المواقع وجمع المعلومات دون الحاجة إلى الالتحاق والتنفيذ وهؤلاء ليس من الضرورة التصريح لهن بالانضمام للتنظيم بشكل فعلي.
والنوع الثاني: من يحق لها الالتحاق بالتنظيم بشكل فعلي، فهنا ليس لها الحق في الانضمام بصفتها الفردية دون وجود وسيط (محرم) وفي الغالب يكون الزوج هو من يقنع زوجته بالانضمام للتنظيم ومن ثم الاستفادة منها، لاسيما بعد مقتل الزوج أو القبض عليه، فإن التنظيم يتواصل بشكل كبير مع هذه النوعيات مستغلا الفراغ الذي تعيشه هذه السيدة والرغبة في الانتقام، ومن ثم يتم توظيفها في عمليات كبيرة لاسيما إذا عرفنا أهمية الضرب على وتر العاطفة الدينية في هذا المجال.
وإذا رجعنا إلى التنظيم النسائي الذي لم تتضح ملامحه بعد، فإن مغذيه الأول هو الوعظ على النطاق الضيق وتكوين دوائر صغيرة تحس بالانتماء إلى موجهتها الدينية ومن ثم تتوسع الدائرة لتشمل قطاعا أكبر.
وإذا كانت نشرة الخنساء توقفت عن الصدور بعد عددها الأول، فإن التنظير النسائي للتنظيم والدعوة إلى إلحاق العنصر النسائي لم تتوقف، فقد نشر موقع صوت الجهاد رسالة بعنوان (يا نساء دوركن.. فقد نام الرجال) من 15 صفحة لـــquot;منى صالح الشرقاويquot; تكرس فيها المؤلفة منهج التطرف والغلو والتكفير مخاطبة بنات جنسها على وجه التحديد داعية إياهن إلى عدم التباطؤ في نصرة الدين والاتكاء على الرجال فتقول: quot;فيا من أكرمك الله ورفع قدرك لا تحقري من المعروف شيئاً، فتتباطئي منتظرةً دور الرجال في نصرة دينك وتتكاسلي في خدمته، وأخُصُّ من ذلك فروض الأعيان فلا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، فلا تتهاوني وتَفَكّري معي في واقع أمتنا المرير وكيف تخاذل عنه أكثر رجالاتها في الوقت الذي يسام فيه أهل الإسلام سوء العذابquot;.
وتعتمد الشرقاوي في رسالتها منهج التحريض ضد العلماء معتبرة إياهم أدوات يستخدمها الصليب في تحصيل مآربه وقضاء حاجاته، محذرة من الانخداع وخاصة شباب الإسلام وأنهم من الساعين لمصالحهم الشخصية وشهواتهم وملذاتهم ليسوا غيورين على أمتهم ودينهم.
وهي من خلالها تؤسس لمبدأ المساواة في التنظيم بين الرجل والمرأة! ومن خلال ذلك نعلم أن أم الرباب ما هي إلا حلقة في فكر هذا التنظيم المرعب الذي تجاوز النساء ليصل إلى الأطفال عبر نظرية جديدة تؤسس للزج بالأطفال بالعمليات الانتحارية وهي ما يعرف (بطيور الجنة) في محاولة لإقناع الآباء بقتل أبنائهم من أجل تنظيم إرهابي يتترس بالجنة في كل شيء.
التعليقات