قينان الغامدي
يعجبني في الشيخ الفاضل عبد المحسن العبيكان ثقته في نفسه وعلمه وقدرته على إيراد الحجج، وقبل ذلك ومعه سعة أفقه ومحاربته الشديدة للتشدد وعمله الدؤوب على كشف عوار التكفيريين والمتطرفين والمتسلحين بسد الذرائع الذين وجدوا في فتواه بإرضاع الكبير فرصة للنيل من علمه ومكانته والتندر به ليس من أجل هذه الفتوى وإنما للتنفيس عن أنفسهم مما لحق بهم من جراء محاربته لتنطعهم وجمودهم وتطرفهم في معظم مواقفه السابقة معهم، محتجين بسلطة العقل الذي لم يستخدموه في مواقع ومواقف كثيرة اتخذوها دون أن يكون لها سند من عقل ولا منطق ولا شرع، وأكرر ولا شرع فالعبيكان على الأقل في فتواه الأخيرة كان معه سند شرعي لاينكره أحد، والاختلاف معه كان حول خصوصية الحالة أو تعميمها، وأنا هنا لا أدافع عن فتوى الشيخ التي أعتبرها رأيا يمكن أن يقبل أو يرفض، وعقلي يرفضه لكن من الذي يستطيع رفض كل ما يرفضه العقل من الأحكام والسنن. ألم يروَ عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه وقف أمام الحجر الأسود وقال: والله إنني أعلم أنك حجر لا تضر ولاتنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. أليس في هذا الموقف ما يدل على أن العقل لا يصلح دائما مقياسا لأمور شرعية ثابتة لو أصخنا فيها لحكم العقل لما فعلناها كما كان حال الخليفة الراشد.
ومع هذا فإنني آمل من الشيخ العبيكان ألا يعكر صفو مشروعه النبيل في محاربة التطرف والتشدد والانغلاق بمماحكة هؤلاء أو أولئك ممن وجدوا في فتوى الإرضاع للكبير ميدانا خصبا للنيل منه وصرف اهتمامه إلى هوامش لاتعني شيئا أمام المتن الذي تفوق فيه وأبدع وأسكت أصوات التكفير والتطرف هنا وهناك.
لقد قال الشيخ عبدالمحسن بنفسه في حواره الأخير مع صحيفة ndash; عكاظ ndash; يوم الخميس الماضي قال: (المشكلة أن هناك من لا يفهم معنى سد الذرائع، ويصف برأيه المجرد عملا من الأعمال بأنه ذريعة للمحرم فيحرمه دون أن يكون هذا العمل ذريعة يقينية إلى المحرم، والشرع لم يحرم أي أمر لكونه ذريعة إلا إذا تحقق أنه ذريعة فعلا)، وقال أيضا: (والفكر الانغلاقي المتطرف التكفيري لا يزال موجودا، ونحتاج إلى وقفة قوية لنشر الوعي والتوضيح التام للعالم كله عن سماحة الإسلام ويسره ويسر شريعته، واحترام الآراء)، ولهذا فإنني آمل من الشيخ أن يعرض عن المماحكة في أي أمر يصرفه عن هذا المشروع الهام الذي يخدم بلادنا في خطواتها التنموية الطموحة ويصد عنها مكائد دعاة التكفير والقتل والانغلاق، وقبل ذلك ومعه يخدم عقيدتنا المعروفة بسماحتها ويسرها، ولعل الشيخ يتأمل ويكتشف أن قليلا مما تعرض له بسبب فتواه بريء، وأكثره له أهداف أبعد من رفض الفتوى ذاتها وأعمق.
التعليقات