المحاصصة السياسية في العراق أمام اختبار المساكنة الطائفية أو الحرب الأهلية

نظام مارديني

ساعات قليلة مرت على لقاء الرئيس السوري بشار الأسد وعمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، قبل أن ينفجر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، ويوجه رسائل عديدة وفي كل الاتجاهات متهماً الحلفاء والخصوم بانتظار quot;العامل الخارجيquot; لتشكيل الحكومة.
هذا الهيجان في ردة فعل المالكي يشير إلى أن الموضوع ليس quot;موضوع رمانة بل قلوب مليانةquot; بينه وبين الحكيم حليفه في الائتلاف الطائفي، الذي كان قد دعا المالكي إلى تقديم تنازلات لتشكيل الحكومة التي ينتظر ولادتها الجميع منذ ثلاثة أشهر.
ولم يفلح البرلمان العراقي، الذي كان قد التأم، حتى في انتخاب رئيسه، بل أكد فشله الدور الذي يطلع به المالكي في وضع العراقيل أمام كل الحلول لتشكيل الحكومة ما لم يكن هو رئيسها، حتى أن لقاءه رئيس الوزراء السابق اياد علاوي مرتين كان شكلياً ولم يفتح نافذة لقيام تفاهمات بين مكونات المجتمع العراقي الممثلة في الكتل النيابية، بل أيد القناعة التي تشير إلى قوة دفع إقليمية، تشترك فيها سوريا والسعودية وتركيا وإيران، مساعدة لقيام حكومة وحدة وطنية قبل أن تنزلق الأمور إلى أعمال عنف ستكون ارتداداتها خطيرة على دول الإقليم المذكورة.
والسياسة quot;الإقليميةquot; هذه، إذا صح التعبير، رافقتها حالة من quot;المماطلة والتسويفquot; أتبعها المالكي في محاولة منه للتمسك بالسلطة، مما حدا ببعض معارضيه الى وصف ما يتبعه رئيس الحكومة، بـquot;الأساليب غير القانونيةquot;، كمحاولته إبقاء رئاسة الحكومة بيده على أن تعطى رئاسة الجمهورية لقائمة علاوي، ورئاسة البرلمان للأكراد.
غير أن علاوي أعلن رفضه لصيغة المحاصصة المقترحة بين الرئاسات الثلاثة خلال حديثه لفضائية الجزيرة مؤخراً، معتبراً ذلك أمراً خطيراً، ويتماهى مع النموذج اللبناني الذي يؤدي في النهاية لحرب أهلية في البلاد، وحذر علاوي من أنه كلما تأخر تشكيل الحكومة كلما اقتربت سيناريوات quot;اللبننةquot; والتقسيم أكثر من قبل، وهو ما سيبقي سلطة المالكي للسنوات الأربع المقبلة وينهي حلم الدولة المدنية الموعودة.
المحاصصة دواء فاسد، بل سمّ فتاك، يتذمّرون منها لكنهم يستميتون في تكريسها، وهي إذا كانت قد فرضت على العراقيين المالكي فهي نفسها فرضت سابقاً علاوي والجعفري، وقد أحاطت هؤلاء بوزراء ومسؤولين أمنيين وحكوميين يتجسسون ويتآمرون ويكيدون لبعضهم بعضاً، وفي أحسن الأحوال فإنّ الواحد منهم لا يملك إلا أن يسجل الوزارة ومواردها في حساب الغنائم المستحقة لحزبه أو الجماعة التي استأجرته لحمل الحقيبة الوزارية.
هذه الوقائع تؤكد أن موضوع تقاسم المناصب السيادية سيكون العامل المشترك في هذه القواعد، لتحديد آليات توزيع الحقائب الوزارية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تشابك خيوط اللعبة الداخلية العراقية، وقد كشفت الأيام التي تلت الإعلان عن التكتل الطائفي quot;الشيعيquot;، بين المالكي والحكيم، تحت لافتة مريبة هي الاحتماء بالطائفة ومرجعياتها لتوحيد الأحزاب quot;الشيعيةquot; أمام ما يسمى بخطرquot; العلمانية والليبراليةquot;! الأمر الذي يؤكد إصرار القوى الطائفية النافذة على تمسكها بالسلطة رغم ما ساد فترة حكمها من خرق فاضح لجميع المعايير الديموقراطية وحقوق الإنسان، التي يتغنى بها العهد الجديد الذي بنيّ برعاية الاحتلال.
إن إحلال نظام ما يسمى quot;بتوافق الطوائفquot;، لا يزال واقعاً يتواصل فرضه بالدماء، وبخطاب سياسي وإعلامي رث ومتخلف يتم تكريسه بين أوساط المجتمع العراقي. ولعل المراقب يستغرب كيف كرس الاحتلال الأميركي هذه الحالة الشاذة والمتخلفة، عبر دستور بريمر الذي تسلم العراق الى زعامات نمت في الساحة كالفطر المسمومة.
لقد أغلقت القوى الطائفية خلال السنوات السبع الماضية الأبواب أمام نمو قوى عراقية غير طائفية بعد أن استثمرت حالة مقاطعة العملية السياسية غير المبررة من قبلهم عام 2005 والتي ساهمت في تثبيت مواقع الأحزاب الدينية الطائفية، وقد كان المظهر غير الأخلاقي البشع هو ترحيل أكثر من ثلاثة ملايين عراقي غالبيتهم من الكفاءات العلمية خارج العراق، في مجزرة الصراع الطائفي الذي أدارته القوى الحاكمة، وخصوصاً في عهد المالكي.
وما يؤسف له أن تداعيات هذه الحالة ستؤدي الى إغراق البلاد في مناخ محتقن لمختلف احتمالات التوتر والعنف وquot;اللبننةquot;. والقضية هي أكبر من مسألة كتلة فازت بالمرتبة الأولى، الى كونها مفترق طرق بين حالتين: الأولى تثبيت مواقع قوى التخندق الطائفي وما سيليها من إجراءات سياسية ثأرية وتصفيات جسدية وتكريس عزل العراق عربياً، وتقنين أساليب الفساد المالي والإداري وتوفير أغطية الحماية لها، والثانية: خروج البلد مما هو عليه الى فضاء رحيب تتوفر في بناء نظامه السياسي أسس المواطنة العراقية وإرساء قواعد الديموقراطية التعبيرية، وحماية حقوق الإنسان.
ان أحد سيناريوات اللعبة الحالية التي تقودها الأحزاب الطائفية هو تفكيك المكوّن السياسي اللاطائفي بإعادته الى منابعه الطائفية عبر الضغط على عناصره بالرضوخ والتسليم بعودة التركيبة الطائفية إلى سابق عهدها، وهي خطوة لن تقبل بها قوى المجتمع المدني التي أصبحت قوية داخل المجتمع العراقي.