نيويورك

Anthony Shadid -New York Times


بعد 3 أشهر على الانتخابات، لوحظ تقدم نحو تشكيل ائتلاف، لكن على نطاق أوسع، قد تحدد القرارات التي اتُخذَت أخيراً ما إذا كان العراق سيتبنى نظام حصص لتنظيم شؤونه، نظاما لم يُختبَر إلا في لبنان حيث كان له سجل ملطخ.

بحسب تعبيرنا اليوم، الوصف قديم بقدم نهري دجلة والفرات: العراق دولة للعرب الشيعة والسنة وللأكراد، ويعني فهم سياساته أن نبدأ وننتهي عند هذه الفكرة، مسترشدين بحقائقه الثابتة... من المؤكد أن ذلك لم يكن بسيطاً.

لطالما فشلت الأحاديث المقتضبة في إظهار التعددية المعقدة لهذا المكان حيث تُعطى للطبقة، والنسب وحتى القبيلة أهمية أكثر منه للطائفة والإثنية، فما زال العراقيون أنفسهم ينفرون من فكرة رسم سياساتهم حول هذه المسألة، وكذلك، لم يُنسب الفضل أبداً بعد للمسؤولين الأميركيين عن دورهم الحاسم في جعل هذه الفكرة، وبشكل مؤسف، محور السياسة في هذه البلاد.

ولربما يكون هذا السبب في كون المفاوضات حالياً حول تشكيل حكومة جديدة مهمة جداً بالنسبة إلى مستقبل العراق، بعد سبع سنوات على قيام الولايات المتحدة بالإطاحة بالنظام القديم.

وحتى بالنسبة إلى العراقيين، غالباً ما تعتبر هذه المفاوضات مملة من حيث ميلها إلى الإفضاء إلى حائط مسدود؛ فبعد 3 أشهر على الانتخابات، لوحظ بصعوبة تقدم نحو تشكيل ائتلاف، لكن على نطاق أوسع، قد تحدد القرارات التي اتُخذَت أخيراً ما إذا كان العراق سيتبنى نظام حصص لتنظيم شؤونه، نظاما لم يُختبَر إلا في لبنان حيث كان له سجل ملطخ (فقد فشل في تفادي، أو ربما كان مسؤولاً حتى، عن حربين أهليتين، إلى جانب عدد كبير من حالات الاحتلال والاجتياح والأزمات والمآزق).

بيد أن العراق أهم من ذلك بكثير والمجازفات فيه أكبر بكثير، فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كان عربي شيعي رئيساً للوزراء وكردي رئيساً للبلاد وعربي سني رئيساً لمجلس النواب، لكن قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تكرار حصول ذلك مرة ثانية. ترتكز هذه العملية إلى حد كبير على المحادثات، والمساومة، والمفاوضات التي تتطلب تنازلات متبادلة وإبرام الصفقات الهادفة حتى الآن إلى تشكيل ائتلاف.

وقال رافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء ومفاوض بارز في هذه المحادثات: 'أعزائي، لا نريد اتباع النموذج نفسه كما هي الحال في لبنان'.

في حين تساءل عزة الشابندر، سياسي من المقلب الآخر، بتجهم إن لم يكن الوقت متأخراً جداً على ذلك. وشكا بالقول: 'نحن نسير في الاتجاه الخاطئ'.

يؤثر المنحى النهائي للأمور في العراق على مصير نظامه السياسي الذي يفتقر إلى الشعبية أكثر فأكثر، فهو غير قادر على تأمين الضروريات الأساسية حتى، كذلك، تمتد تشعباته إلى أبعد بكثير من حدوده في منطقة تتميز بتعدديتها الكبيرة حيث تبقى العلاقات بين الأكثريات والأقليات معقدة جداً. باختصار، هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي في دول لا يشعر فيها المواطنون جميعهم بأنهم متساوون؟

كما هي الحال في العراق، يذكرنا الحاضر بما حصل عام 2003 عندما شكّل بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي في العراق، مجلس الحكم العراقي، كان هذا المجلس مجلساً صورياً، حتى بالنسبة إلى بعض أعضائه؛ فلم يوافق أحد حقيقة على المهام التي كان يفترض به إنجازها وتتمثل في تأمين غطاء للاحتلال الأميركي أو المساعدة في حكم دولة منهارة... غير أن الأهم من ذلك كله كان الإرث الذي خلّفه.

لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى العراق نظرة مبسطة جداً، قبل الاجتياح، من منظار الطائفية والإثنية، ومن هذا المنطلق، وجدت في أعضاء المعارضة العراقية الذين نفوا في السابق شركاء لها، فهم يتبنون إلى حد كبير الحسابات نفسها، وقد عوّل عليهم بريمر لاختيار أعضاء المجلس الحاكم، فطالبوا بحجم تمثيلي يتلاءم مع ما اعتبروه وزنهم الديمغرافي، وبذلك كانت الطائفة والإثنية عنصرين حاسمين في اختيار الأعضاء، وفي النهاية، مع هذه القرارات، ساهمت الولايات المتحدة بمساعدة هؤلاء المنفيين في تطبيق المفاهيم، التي كانت سائدة قبل الاجتياح، على العراق ما بعد الاجتياح.

ويعلق موفق الرباعي، أحد أعضاء المجلس، بالقول: 'أعتقد بصدق أننا نتشارك في تحمل مسؤولية ما حصل'، وقد نسب إلى القمع المهلك الذي مارسه صدام حسين على الشيعة والأكراد مسؤولية إجبار المعارضة التي كانت منفية في السابق على التوحد كما فعلت؛ والواقع أن حسين لم يدخر جهداً لترسيخ الانقسام في العراق. لكن، أضاف الرباعي: 'أعتقد أننا وقعنا في فخ'.

فقد تعهد السياسيون، شفهياً على الأقل، بوضع حد لنظام المحاصصة أو الحصص، وكان هذا الوعد ركيزة أساسية للحملة الانتخابية (كُتب على إحدى اللافتات: إما الحصص والفساد وإما المياه، والكهرباء والوظائف). ويشتكي عدد كبير من السياسيين من بروز هذه المعادلة وتصدرها الحسابات السياسية حتى فيما هم يعملون بشدة على ترسيخها... تكشف المفاوضات اليوم مدى رسوخ هذه المعادلة.

في هذا السياق دعا نائب الرئيس طارق الهاشمي إلى إعطاء الرئاسة إلى سني عربي، وتساءل، لمَ ينبغي أن تبقى حكراً على كردي؟ (في حين أصر الأكراد من جهتهم على عودة مرشحهم جلال طالباني). أما منصب رئيس مجلس النواب الذي يشغله الآن سني فيعتبر الأقل أهمية ولا يسعى أحد إلى توليه.

ثم هناك منصب رئيس الوزراء الذي يتوقع الجميع أن يبقى بين يدي الأكثرية الشيعية، على الرغم من أنهم لا يريدون أن يتولاه أي شيعي كان. صحيح أن لائحة يقودها إياد علاوي، شيعي علماني، فازت بأكبر عدد من المقاعد، لكنه حصل على معظم الدعم من المناطق السنية في العراق، حتى أن نائب الرئيس عادل عبدالمهدي، صديقه ومرشح آخر لهذا المنصب وصفه بأنه 'ممثل السنة'.

ويعلق شابندر، حليف لرئيس الوزراء نوري كمال المالكي: 'لا تقع مسؤولية اختيار رئيس الوزراء على عاتق السنّة، فهم يعرفون أن هذا المنصب ليس لهم ويتقنون اللعبة السياسية، للأسف الشديد، مازالت الأهمية تعلق على الحصص'.

قبل سنوات قليلة، روجت إحدى مجموعات المجتمع المدني لحملة إعلانية في لبنان، دولة فيها 18 طائفة حيث درجت العادة على أن يتولى ماروني رئاسة الجمهورية، وسني رئاسة الوزراء وشيعي رئاسة البرلمان. على اللوحات الإعلانية وفي الصحف، كشفت الإعلانات عن جرعة من السخرية لم تكن مضحكة جداً: دروس في الطهي للروم الأرثوذكس، ومبانٍ للبيع للدروز، ودروس في تصفيف الشعر يعطيها أرمني كاثوليكي، ووكالة أزياء تبحث عن 'وجه شيعي جميل'.

في الأسفل، يورد الإعلان جملة باللغة الإنكليزية: 'أوقفوا الطائفية قبل أن توقفنا' أو بصراحة أكبر باللغة العربية: 'المواطنة ليست طائفية'.

لم يفهم الجميع النكتة ويعزى ذلك جزئياً إلى عدم اطلاعهم على خبايا الأمور في لبنان.

يدافع البعض عن نظام الحصص باعتبار أنه يقدم الحماية إلى الأقليات في منطقة تشتهر بعدم معاملتها جيداً (خذوا على سبيل المثال الشيعة في المملكة العربية السعودية، أو معاملة إسرائيل لمواطنيها الفلسطينيين فكيف بالأحرى أولئك الذين تحت الاحتلال). والواقع أن السنّة سيحصلون دائماً على أحد أفضل المناصب في العراق على الرغم من أنهم أقلية. لكن يخشى آخرون أن تثير هذه المعادلة الشكوك حول مفهوم المواطنة الذي يمثل في إطاره الزعماء المحليون وليس الوطنيون قواعدهم الانتخابية في صفقات تخدم مصالحهم الشخصية.

هذه هي الحال غالباً في لبنان، ويمكن أن تصبح كذلك هنا في بيئة حيث يبدي القادة غالباً ميلاً إلى تقاسم الغنائم الطائفية والإثنية، حتى فيما لا تحصل بغداد على الكهرباء إلا لساعات قليلة في فترات الحر الشديد... فلا أحد يتحدث لمصلحة الأمة في العراق، ولربما ليس هناك أمة حقيقة.

ويعلق رايان كروكر، السفير السابق في العراق 'ربما يحصل كل شخص على جزء صغير منها، سيتم اقتسامها بعدل بين النخبة، لكن الوعود التي قطعت، الصفقات التي أبرمت لن تتضمن أي وعود أو التزامات بتحسين حياة الشعب العراقي'... ويختم بالقول: 'ليس هذا محور الصفقة في العراق'.