تركي العسيري

أجدني مضطرا للكتابة عن (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مرة أخرى، في ظل التجاوزات المتكررة التي يقترفها بعض منسوبيها، والتي كان آخرها ما نشرته جريدة (الجزيرة) يوم السبت الماضي 15 جماد الآخرة، من تعدي أفراد الحسبة على مواطن وزوجته في إحدى المجمعات التجارية بالدمام، والطعن في شرفه، بدعوى أنه يصطحب امرأة ليست زوجته رغم أطفاله الثلاثة وخادمتهم.. إلى آخر القصة التي أوردتها مراسلة الجزيرة (هيا العبيد), والحادثة تلك تأتي ضمن سلسلة من الحوادث التي نقرأ عنها بشكل شبه يومي في الصحف. ومع تسليمنا بالدور الذي تضطلع به الهيئة، وتقديرنا للجهود التي يبذلها معالي الرئيس العام الشيخ عبدالعزيز الحمين، في سبيل الارتقاء بعمل هذا الجهاز، إلا أننا نقف حائرين أمام ما يحدث من قبل بعض الأفراد الميدانيين، ولا نجد له تفسيرا، إلا: أن بعض أعضاء الهيئة لا يتقيدون بالتعليمات والتوصيات التي يصدرها الرئيس العام ولا يؤمنون بها، أو أن التوصيات والتوجيهات والدورات التي تقيمها الهيئة لا تعدو عن أن تكون (حبرا على ورق).

وفي تقديري الشخصي كمواطن محب لهذا الجهاز، أن مشكلة الهيئة تنبع من آليات العمل الميداني نفسه، والذي يشرف عليه بعض الأفراد من ذوي التوجهات والمفاهيم القديمة والمتشددة، وغير القابلة للتطوير والتحديث، لذا فإن أية عملية تطويرية غير قابلة للتنفيذ، وستصطدم بقناعات أولئك الموظفين القدامى الذين تشبعوا بها عبر عقود من الزمن .حين أسمع وأقرأ ما يقوله الرئيس العام من حث منسوبيه على (الستر، وحفظ كرامة المواطن والمقيم، وافتراض حسن النية، والنصح باللين، وعدم المطاردة، والبعد عن تتبع الشبهات)، وبين ما أقرأه عبر وسائل الإعلام من تعدٍ صارخ، وتدخل في خصوصيات الناس، والتوقيف لمجرد الاشتباه، أتذكر المثل المصري الشهير (أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أتعجب)! مشكلة الهيئة أيضا، حين تتحول من جهاز مهمته الأمر بالمعروف ,والنهي عن المنكر باللين واللطف والنصح، إلى جهاز يمارس دور الرقابة، والتحقيق، والتوقيف، والمتابعة، أي أنه يقوم بعمل أجهزة عدة، ولا أظن ذلك من مهمته.

نقطة أخرى تتعلق (بشباب) الهيئة أنفسهم حين يطاردون الشباب أمام الكليات والمدارس بينما يقفون بسياراتهم عند مداخل تلك الكليات وينظرون إلى الطالبات في الدخول والخروج، ويتجولون في الأسواق، مرسلين نظراتهم للمراقبة والمتابعة ومطالبة النساء بتغطية وجوههن، وهو أمر لا يجوز لشباب الهيئة فعله، إلا إذا كان يصح لهم ما لا يصح لغيرهم، فذاك أمر آخر، ماذا لو أسندت الهيئة إلى منسوبيها من كبار السن فعل ذلك بدلا من الشباب الذين يثيرون المشاكل مع الآخرين، مسألة أخرى تتعلق ببعض السلوكيات المختلف عليها ككشف الوجه، فذاك أمر فيه متسع قال به بعض العلماء ولا يجوز أن يفرض على امرأة بتغطية وجهها إذا ارتضت ووليها ذلك. نحن نحب الهيئة -والله- ونقدر الدور الذي تقوم به، إلا أننا نعتقد أنها في حاجة إلى عملية تطوير حقيقية، تأخذ في الاعتبار التحولات التي طرأت على المجتمع، وتؤمن أن دورها الحقيقي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعيدا عن المراقبة والمطاردة، وتتبع الشبهات التي تدخلها في مشاكل هي في غنى عنها.. وحتى يتحقق ذلك، دعونا ننتظر .. !!