خيرالله خيرالله

في ضوء التطورات الاخيرة في افغانستان وما خرج به الجنرال ستانلي ماكريستال من كلام يسخر فيه من كبار رجالات الادارة الاميركية، تبدو هذه الادارة وكانها في حال من العجز. حمل ذلك معلقين اميركيين الى تشبيه باراك اوباما بجيمي كارتر، الرئيس الذي لم يستطع في اواخر العام 1979 من الحصول على ولاية ثانية بسبب ظهوره في مظهر الرئيس المتردد والضعيف في مواجهة الازمات الدولية.
في الواقع، عكس قرار الرئيس باراك اوباما القاضي باستبدال الجنرال ديفيد بترايوس بالجنرال ستانلي ماكريستال في ادارة الحرب في افغانستان جانبا من جوانب الازمة التي تعاني منها الولايات المتحدة عموما والادارة الحالية بشكل خاص. لم يكن القرار بمثابة ترقية لبترايوس الذي كان قبل ازاحة ماكريستال عن الساحة الافغانية المسؤول العسكري الاعلى عن تلك الجبهة التي تقع ضمن صلاحياته بصفة كونه قائد القيادة المركزية. لكن الرئيس الاميركي لم يجد ما يطمئن به الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية سوى اللجوء الى بترايوس الذي عرف، اقله حتى الان، كيف يتصرف في العراق ويحد من الخسائر الاميركية فيه. فضلا عن ذلك، يؤمن بترايوس بما يؤمن به ماكريستال بالنسبة الى ضرورة زيادة عديد القوات الاميركية في افغانستان وشن حرب لا هوادة فيها على quot;طالبانquot;.
باتت حال التخبط السمة الاساسية للسياسة الاميركية في العالم وذلك منذ ارتكاب الرئيس السابق جورج بوش الابن خطيئة الاتجاه الى العراق قبل الانتهاء من افغانستان. من الواضح انه ما كان لضابط كبير معروف بانضباطه مثل ماكريستال الذهاب الى حد السخرية من الرئيس الاميركي ونائبه جو بايدن ومن مستشار الرئيس لشؤون الامن القومي الجنرال جيمس جونز وحتى من السفير الاميركي في كابول كارل اكينبري لو لم تكن هناك ازمة عميقة ذات جانبين عسكري وسياسي. عبّر عن تلك الازمة في تصريحاته الى مجلة quot;رولينغ ستونquot; وكأنه اراد ان يقول ان لا ثقة لديه بالقيادة السياسية الاميركية وبقدرتها على متابعة تنفيذ استراتيجية معينة في افغانستان.
يدرك العسكريون الاميركيون عمق الازمة السياسية في بلدهم. كان بترايوس نبه الى ذلك قبل اسابيع عدة عندما تحدث امام احدى لجان الكونغرس عن اخطار التعنت الاسرائيلي وبقاء القضية الفلسطينية من دون حل. اكد قائد القيادة المركزية في شهادته تلك ان هناك مخاطر على العسكريين الاميركيين المنتشرين في مناطق مختلفة من العالم، خصوصا في افغانستان والعراق بسبب السياسة الاسرائيلية مشيرا بشكل صريح الى ان الحفاظ على حياة الجنود الاميركيين يمثل اولوية بالنسبة اليه. اراد بترايوس توجيه رسالة معيّنة الى الادارة فحواها ان الجيش الاميركي غير قادر على تحمل عجز اوباما والفريق الذي يحيط به عن اتخاذ قرارات حاسمة على الصعيد الخارجي.
ينتمي ماكريستال وبترايوس الى المدرسة نفسها. لدى الرجلين المخاوف ذاتها مع فارق ان الاول ذهب الى حد الخروج عن كل التقاليد المعمول بها في بلد ديموقراطي مثل الولايات المتحدة فيسخر من الرئيس ورجاله. ربما كان الفارق بين بترايوس وماكريستال ان الاخير فقد اي امل في اصلاح الوضع فقال كلمته ومشى مع ادراكه سلفا ان الرئيس لن يقبل باقلّ من اقالته واستبداله.
خرج ماكريستال من افغانستان ودخلها بترايوس الذي بات المشرف المباشر على الحرب. ما الذي سيتغيّر؟ لن يتغيّر شيء ما دام على الرئيس الاميركي تمضية وقته في التعاطي مع مشكلة غير قابلة للعلاج لسببين على الاقل. السبب الاول ان الجيش الاميركي ما زال في العراق وليس قادرا في الوقت الراهن على التركيز على حرب واحدة والانتصار فيها. اما السبب الاخر فهو عائد الى ان الوضع الافغاني غير قابل للعلاج بمعزل عن الوضع الباكستاني. الى اشعار اخر، ليس ما يشير الى وجود استعداد جدي لدى اوباما وفريقه للذهاب الى جذور المشكلة، اي الى باكستان التي تشكل القاعدة الخلفية لـquot;طالبانquot;.
كان اللجوء الى بترايوس الخيار الوحيد امام اوباما الذي كان عليه في الوقت ذاته اقالة ماكريستال لتاكيد انه قادر على اتخاذ قرارات حاسمة متى دعت الضرورة الى ذلك بصفة كونه القائد الاعلى للقوات المسلحة وان اي ضابط كبير لا يمكن الا ان يكون في امرة القيادة السياسية.
لا يمثل اختيار بترايوس سوى حل موقت. عاجلا ام اجلا سيعود الى الواجهة السؤال الاتي: هل يمكن الخروج المعافى من افغانستان من دون الاستسلام لـquot;طالبانquot; التي تبدو مصرة على حماية تنظيم quot;القاعدةquot; الارهابي؟ يصعب الجواب عن هذا السؤال، لا لشيء سوى لانّ الادارة الحالية تعاني من ذيول ذهاب بوش الابن الى العراق لاسباب لم تتضح بعد وربما لن تتضح يوما. ربما فهم الجنرال ماكريستال ذلك، فافتعل المشكل مع اوباما. اراد ان يغسل يديه من هزيمة محققة في افغانستان خصوصا بعدما اكتشف ان الادارة لا تستقر على رأي وان هناك اكثر من مركز قرار فيها وانه غير قادر حتى على التفاهم مع السفير الاميركي في كابول الذي سبق له واعترض على طلبه ارسال خمسة واربعين الف جندي اضافي الى افغانستان بغية شن هجمات على مواقع quot;طالبانquot; ومعاقلها واستعادة المبادرة العسكرية منها.
انها اكثر من ازمة سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة. انها ازمة ادارة كبلتها قرارات اتخذتها الادارة التي سبقتها. يبدو اوباما اسير هذه القرارات. لا شيء يبدو قابلا للحل في افغانستان في معزل عن باكستان التي ليس معروفا ما اذا كان في الامكان سيطرة اجهزتها الامنية على معاقل quot;طالبانquot; او عناصرها او على المدارس التي تخرج مقاتلين تابعين لها. او على الاصح، هل لديها رغبة حقيقية في ذلك.
هل فات اوان الانتصار في حرب افغانستان؟ ربما كانت هناك فرصة للانتصار قبل العام 2003. اضاع بوش الابن الفرصة وذهب الى العراق. ما قاله ماكريستال يعبر عن عمق المأزق الاميركي في افغانستان وباكستان والعراق لا اكثر ولا اقلّ.