إياد الدليمي


لا يبدو أن الأزمة العراقية الناشئة عقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 مارس الماضي قابلة للحل في المستقبل القريب، في ظل تعنت القوى السياسية العراقية، وإصرار البعض من هذه القوى على فرض خيار ربما لا يتوافق مع رغبة القوى الأخرى وتطلعاتها من شركاء العملية السياسية التي انبثقت عقب الغزو الأميركي للعراق في أبريل من عام 2003.
ورغم أن شكل الأزمة وظاهرها سياسي، فإن مضمونها طائفي، وأشار إلى ذلك نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي في حواره الأخير مع صحيفة laquo;العربraquo;.
الصورة من بعيد: حصول ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي على 91 مقعدا، وحصول ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالي رئيس الحكومة على 89 مقعدا، والعراقية تؤكد حقها على تشكيل الحكومة طبقا لنتائج الانتخابات، وائتلاف دولة القانون يؤكد أن الكتلة الأكبر التي أشار إليها الدستور العراقي هي التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان في الجلسة الأولى للبرلمان المنتخب، وهو ما سعت إليه كتلة المالكي من خلال محاولة التحالف مع الائتلاف الوطني بزعامة عمار الحكيم.
وعقدت الجلسة الأولى ولم يعلن عن هذا التحالف الجديد، وهو ما فسره البعض بانتهاء مفعول التفسير الثاني الذي أشارت إليه كتلة السيد المالكي، وبالتالي فإن حق العراقية في تشكيل الحكومة -وفقا للتفسيرين- صار أمرا واقعا.
الصورة من قريب: اتهامات لائتلاف العراقية بأنه يمثل مكون العرب السنة وليس ائتلافا يضم كافة أطياف الشعب العراقي، وبالتالي سعي بعض الأطراف لوضع العصي في دولاب ما تعتبره العراقية حقا لها في تشكيل الحكومة، وسعي أطراف سياسية أخرى على استمرار منهج المحاصصة الطائفية، معتقدة أنها بذلك سوف تكون أقرب لتحقيق مصالحها.
في خضم كل هذا وذاك، يأتي العامل الخارجي ليؤكد من جديد، أن أمر العراق لم يعد يعني ساسته ومواطنيه وحسب، وإنما بات أمرا يعني دول الجوار ودول ما أبعد من الجوار، وهنا صار تدخل بعض تلك الأطراف في محاولة فرض رؤيتهم على العراقيين، معطلا آخر من معطلات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
لقد مضى حتى اليوم نحو أربعة أشهر منذ الانتخابات العراقية، وما زالت عربة المفاوضات بين مختلف القوى السياسية العراقية متوقفة عند محطة رئيس الوزراء المقبل، فالكل يؤكد أن رئيس الحكومة الجديد الذي سيقود العربة للانطلاق بها إلى محطات أخرى يجب أن يكون من قائمته، في ظل أوضاع صعبة يعيشها العراق والمنطقة بأسرها.
وإذا كان البعض يرى أن تشكيل الحكومة العراقية لا يجب أن يخضع لرغبات دول الجوار، فإن أطرافا أخرى باتت ترى أن هذا التدخل صار مطلوبا أكثر من أي وقت مضى، بل إن دعوات أخرى تصاعدت من داخل العراق، راغبة في دور أميركي للإسراع بتشكيل الحكومة، ناهيك من أخرى عراقية أيضا صارت ترى ضرورة تدخل أممي لتشغيل مقطورة الحكومة الجديدة المتوقفة عند محطتها الأعقد.. رئيس الوزراء الجديد.
وأمام كل ذلك، فإن على ساسة العراق أن يكونوا أكثر حرصا على مصالح بلادهم ومصالح مواطنيهم، وأن يعقدوا طاولة مستديرة، وبأسرع وقت ممكن، أولا لقطع الطريق على المتدخلين سواء من دول مجاورة أو أخرى أبعد، وثانيا من أجل الالتفات إلى معاناة العراقيين التي صار يضرب بها المثل، وأخرى من أجل أن تحظى العملية الديمقراطية في العراق باحترام أكبر من قبل العراقيين أنفسهم، وأن لا يتوقف قطار هذه العملية عند محطة الانتخابات الماضية.
إن وجود تقاطعات سياسية بين مختلف أرباب السياسة في العراق أمر لا مفر منه، ولكن أن تتحول تلك التقاطعات إلى خلافات طائفية بين نخبة يفترض بها أن تقود الشعب، فذلك هو الأمر الخطير الذي لا ينبغي على ساسة العراق أن يفتحوا الطريق أمامه.
أمام ساسة العراق فرصة تاريخية ألا وهي الإسراع بتشكيل الحكومة وتقديم التنازلات بعضهم للبعض الآخر من أجل ضمان سير العملية الديمقراطية وزيادة الثقة بها، وبخلاف ذلك فلا أظن أن الانتخابات المقبلة ستشهد تدفقا عراقيا على صناديقها كما حصلت في المرة الأخيرة.
كرسي بغداد سيبقى حائرا، ولا يبدو أنه سوف يجد جالسه قريبا، ففي ظل استمرار التنازع على أحقية الجلوس عليه، فإن الخيار الأمثل -على ما يبدو- استنساخ كراسي أخرى على جانبيه، علها ترضي الطامعين فيه.