خالد عمر بن ققه


بعد عقود من التخزين المعرفي، وتجنب المواجهة مع قوى مؤثرة في صناعة القرار السياسي، والتفاعل مع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، بما فيها تلك التي غيّرت من تاريخ وجغرافية المنطقة، تمكنت النخب الخليجية من تشكيل جماعات ضاغطة لجهة السعي نحو وعي جديد يتم الرهان عليه مستقبلاً إذا استمرت موجة التغيير لتضاريس الداخل بقوة دفع خارجية باتت في حاجة إلى تلك النخب، كونها القوة المقبولة نسبياً لدى قطاع واسع من المجتمعات الخليجية، كما يساعدها على ذلك أيضاً المناخ الداخلي العام على قبول تصوراتها الجديدة للمجتمع، مع ما تحدثه من نقاش واسع يصل أحياناً - في بعض الدول - إلى درجة الصدام. ومع ذلك كله فإنه لا يمكن اعتبار النخب الخليجية الفاعلة متطابقة من ناحية الأسلوب والهدف - حتى لو بدت متقاربة - لكونها تستمد شرعية وجودها من تجاربها المحلية، الوطنية... فهي مختلفة لجهة صياغة التاريخ، وفي علاقتها بأنظمة الحكم، وحتى في نظرتها للآخر الوافد الأجنبي والعربي، غير أن هذا لا يحول دون وجود عوامل مشتركة أهّلتها لحضور عربي فاعل قد يؤدي في المستقبل المنظور إلى تغير الحواضر الثقافية في الدول العربية، بل إنه قد يؤهلها، إن بقيت بعيدة من صراع الأفكار واختلاف الرؤى، إلى إعادة استرجاع التاريخ بما تقتضيه متطلبات العصر، على رغم أنه سيطر عملياً في بعض الحالات على المسألة الثقافية بعيداً من الانغلاق أو العنف.

القول إن النخب الخليجية مختلفة، انطلاقاً من غوصها في المحلية وتقديم الخصوصية الوطنية عما سواها، تؤكده جملة من الشواهد، منها: أن كثيراً من القضايا التي تطرحها النخب ليست واحدة، مثل: مسألة الهوية، سبل التعايش، أولويات المرحلة، حجم الدور، أهداف التغيير، مجالات التطور، وظيفة الموقع، فضاءات التحرك... الخ. فلو تأملنا دور النخبة السعودية مثلاً - الحديث هنا يخص ما يمكن أن نعتبره انتلجانسياً - لوجدناه مقتصراً على سعيها إلى تفعيل الواقع بعيداً من الدخول في معارضة حقيقية، مكتفية بإثارة الجدل في قضايا مجتمعية من خلال تقديم نفسها باعتبارها فريقاً إصلاحياً، يسعى إلى التغيير في مقابل جماعة أخرى - عمّرت لعقود في واجهة الأحداث تنظيراً وصناعة - ظلّت متصدية لأية رؤية جديدة بما تحمله من تصورات قديمة، محفورة في الذاكرة الجماعية.

النخبة السعودية في حركتها تلك تبتعد من السياسة من أجل laquo;تثويرraquo; الثقافة، بالمعنى الإيماني وليس الراديكالي، غير أنها وهي تقوم بذلك تهدف الى جعل الباطن يقتنص فرصة التغلب على الظاهر، الأمر الذي سيجعل صراعها طويل الأمد، خصوصاً أن حبال التغيير ترخى لها أحياناً، حتى إذا ما تجاوزت المحظور، شدّت من طرف المتحكمين لترخى للقوى المضادة، تحكمه ضوابط سياسية وميراث ديني، ومرجعية ثقافية، ويصعب تجاوزه بالسرعة التي تريدها، حيث لا تزال التقاليد تشكل عندها مؤثراً فاعلاً على رغم مظاهر العصرية والحداثة.

على رغم ذلك فإن النخبة السعودية بما تقدّمه من أطروحات ورؤى تحدث جدلاً على مختلف الصّعد، وبخاصة الاجتماعية والإعلامية، وهي واعية لدورها ولما حولها، وعلى رغم سيرها البطيء نحو أهدافها فإنها ستحدث تغييراً واسعاً يتعدى المجال الجغرافي للمملكة ليشمل بعض الدول الخليجية الأخرى. والمتابع لنشاط النخبة السعودية يدرك أن الرهان عليها خليجياً بات مطلباً، ولم يعد ضرورة، كما كان في الماضي القريب، وقد لا يكون دورها بيّناً على المستوى العربي لأنه لا يزال محدوداً، لكنه ظاهر على الصعيد الخليجي حيث يُوجد كثير من عناصرها في بعض الدول الخليجية، والأخرى التي نأت بنفسها بعيداً تكتسحها رياح أفكار النخبة السعودية، وذلك يرجع الى الثقل السعودي في المنطقة.