حسن عبدالله جوهر


عادت إلى السطح من جديد قضية مناهج التربية الإسلامية في بعض المراحل التعليمية لتعيد معها أجواء التصعيد الإعلامي والتعبئة الشعبية والنفخ في بالونة الفتنة الطائفية، ومع الأسف الشديد تجاوز الأمر هذه المرة حدود التراشق النيابي المحدود داخل قاعة مجلس الأمة ليخرج إلى الشارع عبر البيانات والإعلانات الصحفية المدفوعة الأجر ومن خلال الندوات الجماهيرية.

ومهما كانت أسباب ومبررات وخلفيات إثارة هذا الموضوع وبعيداً عن الاجتهادات والتفسيرات التي أجزم بأن الأغلبية العظمى من الناس لا تعرف تفاصيلها، إلا أن المؤكد أن أي تصريح أو بيان أو مقال أو ندوة في هذا الشأن سوف يساهم في تعبئة المشاعر السلبية وتنامي روح الكراهية وزرع بذور البغض بين مجاميع السنّة والشيعة في هذا البلد، والعجيب في الأمر هو التناقض الكبير بين الادعاء والممارسة الحقيقية في التعاطي مع هذا الموضوع، على الأقل على مستوى أعضاء مجلس الأمة أنفسهم، وذلك بحكم كوني أحدهم ومتابعا بشكل شخصي ومباشر لهذا الملف وتداعياته.

فعلى سبيل المثال نجد أنه بعد الجدال العنيف الذي تشهده بعض الجلسات العامة والعلنية بين النواب، وما يتخلله النقاش المحتدم من عبارات قاسية وتهديدات متبادلة، يتحول نفس النقاش في استراحة النواب إلى أحاديث ودية وغاية في الهدوء والابتسامة التي تعتري وجوه نفس الأعضاء، وهم يكملون ما بدؤوه داخل القاعة!

وأيضاً، وخلال الأيام القليلة الماضية، اجتمع سمو رئيس مجلس الوزراء، وبحضور وزيرة التربية مع عدد من النواب الشيعة، ثم مجموعة من النواب السنّة، وتم تداول موضوع المناهج والملاحظات عليها، والاقتراحات بشأن معالجة النقاط المثيرة للجدل منها أيضاً بروح عالية من الهدوء والموضوعية.

ومن جهة ثالثة، وفي أغلب الأحيان عندما يلتقي النواب في اجتماعات عامة تضم مختلف الشرائح، يتحمس الجميع ومن دون استثناء إلى تبني إصدار مشروع بيان مشترك أو وثيقة شرف يوقع عليها الجميع بعدم إثارة مثل هذه القضايا علناً في وسائل الإعلام أو في مداخلاتهم تحت قبة البرلمان، ويتوعد الحضور بالتصدي لأي زميل لهم يخرج عن هذا الاجتماع، وكان آخر هذه المبادرات على هامش الجلسة الأخيرة المحددة للتصويت على الميزانية العامة للدولة.

ولكن ومع الأسف الشديد فإن مثل هذه المبادرات والتعهدات تذهب أدراج الرياح، بل ينطبق عليها عكس المثل بأن كلام النهار يمحوه الليل، حيث تبدأ فترة التصريحات الصحفية ومسجات الخدمات الإخبارية الهاتفية والمقابلات التلفزيونية والندوات العامة!

وهذا التناقض بين المواقف الخفية والمعلنة بالتأكيد لا يعني عدم وجود مشكلة حقيقية في قضية المناهج الدراسية، أو حتى أي خلافات طائفية ومذهبية، فهذا أمر طبيعي لا يمكن إنكاره بل إنه متلازم مع التعددية الفكرية والدينية التي تعكس واقع الانتماءات التي تحضنها التركيبة الكويتية ذاتها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الهاجس والضغط الشعبي اللذين يعيشهما النواب والبريق الإعلامي لما تحمله هذه المادة من دسامة على المستوى الجماهيري، الأمر الذي لا يمكن مقاومته وهذا ما أكده لي شخصياً أكثر من نائب من المشاركين في ندوة المناهج الذي حضره حوالي 15 نائباً مساء الثلاثاء الماضي.

ولهذا نأمل من الجميع ورأفة بحال الشعب الكويتي وكل طوائفه وشرائحه أن يصمد النواب، ولو لأيام أو ساعات قليلة، أمام مغريات الميكروفونات والكاميرات، وعندها يدركون أن العقل والمنطق والتسامح ليست فقط أدوات حل المشاكل الخلافية فحسب، بل إنها مقومات أساسية حتى في زيادة رصيدهم الشعبي وكسبهم لاحترام الناس.