محمد الرشيدي

لا أعتقد أن هناك عاقلا لا يستطيع أن يفرق ما بين ظهور مغنية شبه عارية وبقطعة قماش صغيرة تستر أجزاء محدودة من جسمها، وبين وقار مطرب محترم يتغنى بأعذب القصائد الغنائية والوطنية، الأمر هنا لا يحتاج إلى تعقيب أو ملحق فتوى جديدة، فالجميع يستطيعون التفريق في هذه المسائل، ولكن الأمر الذي نحتاجه مخاطبتنا بلغة العصر، مخاطبتنا بروح أكثر عقلانية، وأنا هنا لن أحلل ولن أحرم، ولن أنساق خلف فتوى أو أخرى!.

إنما اللافت لي وبكل صراحة أنه رغم تزامن أخطر الفتاوى شهرة التي مرت علينا كسعوديين، وهما فتوى إرضاع الكبير وفتوى تحليل الغناء، وجدت رغم بشاعة الفتوى الأولى وخطورتها من جميع النواحي إلا أنها لم تحظ بالاهتمام والردود وملاحق الفتاوي كفتوى تحليل الغناء، فقد أخذت هذه الفتوى نصيب الأسد على الشبكة العنكبوتية، والبحث عنها تجاوز الملايين، ماذا يعني ذلك على المستوى الاجتماعي السعودي، هل الإرضاع للسائق أو غيره أمر عادي، والاستماع لأغنية من الغزل العفيف كبيرة وطامة كبرى، والعكس تماماً هل إثارة البعض أن محلات بيع الكاسيت ازدهرت وأصبحت مبيعاتها خيالية بعد الفتوى الشهيرة، أعتقد ذلك أحياناً عندما أتابع مجتمعنا وهو ينتظر فتوى معينة في شراء بعض أسهم الشركات، ولا أعتقد ذلك عندما يشترى السهم بطلبات قياسية وغير متوقعة، رغم تحريمه!.

ثقافة الفتوى في مجتمعنا والتأثر بها طبيعية، ولكن غير الطبيعي أن يكون الاهتمام بالطرب والغناء على حساب فتوى أخطر وأبشع، وأكرر أنا هنا لست مع أو ضد، وإنما لفت انتباهي المساحات الإعلامية والجدلية التي حققتها وبنجاح كبير فتوى تحليل الغناء، رغم معرفتي وقناعتي أن أكبر سوق جاذب لتسويق الأغنية هو السوق السعودي (قبل الفتوى) وأكبر متابعين ومثقفين غنائياً هم السعوديون، وأشهر مطربين عرب هم السعوديون، وأشهر وأهم كتاب الأغنية هم السعوديون، وأكبر حضور للحفلات الغنائية في العواصم العربية والأوربية هم السعوديون، وأكبر عدد من المشاركين والفائزين بالمسابقات الغنائية العربية هم السعوديون، فنحن حققنا الأرقام القياسية بهذا المجال قبل (الفتوى الشهيرة) فما الذي سيحدث، لا أدري، ولكن وللمعلومية فالإعلام والمجتمع السعودي يرفض الأغاني الماجنة المصورة بطريقة الفيديوكليب.

تابعوا وبقياس دقيق مدى العقلية التي وصلنا لها، قارنوا فقط بين شهرة فتوى تحليل الغناء وبين أهم وأطرف الفتاوى الغريبة التي ظهرت علينا مؤخراً، وأترك النتيجة لكم..