برهوم جرايسي
كانت نتائج لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الثلاثاء الماضي، وفق ما كنا نتوقعه لجوهر العلاقات الإسرائيلية الأميركية، منذ أن بدأت ولاية أوباما في البيت الأبيض، قبل عام ونصف العام، بمعنى أن أوباما لم يَحِد عن جوهر العلاقة التي كانت قائمة خلال ولاية سلفه بوش وكل أسلافه في السنوات الـ62 الماضية. فكل ما كان يظهر خلال فترة 15 شهراً لولاية بنيامين نتنياهو في رئاسة وزراء إسرائيل، من laquo;توتراتraquo; مع الإدارة الأميركية، لم تكن تتعلق بالجوهر المطلوب، بل بإجراءات شكلية ومواقف عابرة في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي وبشكل خاص في الملف الفلسطيني. والجديد في لقاء أوباما نتنياهو الأخير، هو أن الصورة باتت واضحة أكثر، إذ كما يبدو اضطر أوباما laquo;للتنازلraquo; عن المشاهد التي رأيناها في اللقاءات السابقة مع نتنياهو، كمن يصر ويطالب إسرائيل بتقديم ما يسمى laquo;تنازلاتraquo; للفلسطينيين، وغيرها، وحتى الإعلان عن laquo;بدءraquo; تعاون نووي أميركي إسرائيلي؛ كي يرضي اللوبي الصهيوني قبيل الانتخابات الجزئية للكونغرس الأميركي في نوفمبر المقبل. فقد كشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي في اليوم التالي للقاء أن إسرائيل تسلمت من الإدارة الأميركية رسالة تعهد بتعاون نووي، أو بشكل أدق، مساعدة نووية، بزعم أنها للجانب المدني، وهذا على الرغم من أن إسرائيل تصر على رفضها التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة النووية، وهذا تعاون لم يكن قائما في الماضي أبدا. وأكثر من ذلك، فإن أوباما الذي دعا إلى عالم خالٍ من السلاح النووي، رفض عمليا خوض مبادرة laquo;شرق أوسط خال من الأسلحة النوويةraquo;، إذ قال إنه إذا عقد مؤتمر كهذا من أجل الضغط على إسرائيل للتخلص من أسلحتها النووية فإنه لن يدعمه، فمَن في الشرق الأوسط لديه أسلحة نووية عدا إسرائيل؟
ما يؤكد على أن ما ظهر في اللقاء الأخير هو نفس ما كان في كل اللقاءات السابقة، ولم يعلن عنها، هو حقيقة أن نتنياهو ليس فقط لم يتراجع عن كل مواقفه، بل جاء إلى البيت الأبيض يجر معه جرائم احتلال لم تكن حتى قبل 15 شهرا، وكلها جرت تحت سمع وبصر الإدارة الأميركية التي لم تحرك ساكنا. ونذكر منها ملف القدس بتشعباته المختلفة، من مشاريع استيطانية تطال قلب البلدة القديمة في المدينة ومشاريع تدمير عشرات البيوت في حي سلوان المحاذي للحرم القدسي الشريف، من أجل إقامة laquo;متنزهraquo; للمستوطنين، واستمرار طرد واقتلاع العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح القريب من البلدة القديمة لتوطين المستوطنين فيها، والبدء في تنفيذ مشروع لطرد مئات الشخصيات الفلسطينية من المدينة، بدءا من النواب الأربعة في المجلس التشريعي من حركة حماس، بدعوى أنهم laquo;غير موالينraquo; لسلطات الاحتلال، وكل هذا عدا مشاريع بناء آلاف البيوت الاستيطانية في القدس المحتلة.
أما في ملف الاستيطان ككل، فإن حكومة الاحتلال تستمر في النكتة القاتلة، التي يسمونها laquo;تجميد الاستيطانraquo;، فوفق المعطيات الرسمية وشبه الرسمية، فإن عدد البيوت الاستيطانية التي تم ويتم بناؤها خلال فترة الأشهر العشرة- حتى نهاية سبتمبر المقبل، يفوق 5 آلاف بيت، منها 3600 بيت استيطاني اعترفت بها حكومة الاحتلال مع الإعلان عن بدء فترة التجميد المزعوم، ليُلحِقها وزير الحرب إيهود باراك بحوالي 460 بيتا استيطانيا آخر، ولتفيدنا لاحقا تقارير ميدانية من مؤسسات حقوقية أن المستوطنين باشروا بأنفسهم بناء أكثر من ألف بيت آخر خارج تلك المشاريع. وفقط للتذكير فإنه على مدى سنوات الاحتلال للضفة الغربية لم نكن نسمع عن وتيرة بناء ضخمة بهذا القدر، بمعنى أن ما تم بناؤه خلال فترة التجميد المزعوم كان أضعاف ما كان يبنى في فترات سابقة لم يعلن فيها laquo;التجميدraquo;. ونضيف أكثر، في شهر مارس الماضي طرح أوباما على نتنياهو سلسلة مطالب وأسئلة، وطلب الرد عليها بأسرع وقت، وفي صلبها مسألة تجميد الاستيطان في القدس وغيرها من القضايا، وعلى الرغم من أن الحديث في حينه كان يجري عن أيام لتلقي الرد، وعن أن أوباما حازم في أمره، إلا أن نتنياهو لم يرد حتى الآن ومن الواضح أنه لن يرد إطلاقا.
جاء نتنياهو إلى البيت الأبيض قبل أيام وعلى يديه دماء ضحايا مجزرة أسطول الحرية، وتحت إبطه يحمل موقف رفض تشكيل لجنة تحقيق دولية بالمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في المياه الدولية، وتحت إبطه الثاني يحمل موقف الإصرار على مواصلة الحصار التجويعي على قطاع غزة ولكن بتسميات أخرى.
يقولون لنا إن أوباما يريد مشهد الابتسامات واللطف مع نتنياهو كسب رضا اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة قبيل انتخابات الكونغرس الأميركي الجزئية في مطلع نوفمبر المقبل، ولكن قبل ذلك قالوا لنا أمورا مشابهة مثل أن أوباما laquo;سكت حالياraquo; (في حينه) إلى حين إقرار قانون الصحة الذي بادر له في الكونغرس الأميركي، وقبل ذلك قضايا داخلية هنا وهناك في الولايات المتحدة وإسرائيل. وباعتقادي أن هذا يندرج أيضا في لعبة كسب الوقت، التي تمارسها إسرائيل منذ سنوات طويلة، لتنخرط بها الإدارة الأميركية، فمثلا جديد هذا اللقاء، أن أوباما وبعد الانتخابات القريبة سيستأنف الضغط على إسرائيل، ولكن لن يكون أمامه أكثر من عام واحد، إلى حين بدء المنافسة الجديدة على الرئاسة الأميركية التي ستبدأ في خريف العام 2011 وحتى الانتخابات في خريف العام 2012، بمعنى أن فلسطين باتت مجرد بند هامشي على الأجندة الأميركية الإسرائيلية.
التعليقات