راجح الخوري

في النهاية، فرنسا هي فرنسا رائدة المحيط الديبلوماسي الاوروبي العريق، وواضعة ابجدية اللياقة التي تعمل منذ ثلاثة عقود، على الاقل، بهدي الكلام الذي قاله شارل ديغول ذات يوم: quot;اذهب الى الشرق الصعب بأفكار بسيطةquot;.
ولكن ما يحدث في فضاء quot;الكي دورسيهquot; والديبلوماسية الفرنسية يؤكد وجود خلل كبير في دورة السياسة الخارجية وفي انتظامها المفترض. وهو ما يدفع المحللين وكتّاب المقالات في باريس الى تأكيد الاستنتاج الذي بدأ مبكرا بعد تشكيل الحكومة، اي ان السياسة الخارجية الفرنسية في قبضة ثلاثة:
الامين العام للاليزيه كلود غيان والمستشار الديبلوماسي الرئاسي جان ديفيد ليفييت... quot;ثمquot; الوزير برنار كوشنير.
ورغم ان الخارجية الفرنسية تدير واحدة من اوسع الشبكات الديبلوماسية في العالم، فإن وتيرة الاعتراضات على اداء هذه الديبلوماسية تتصاعد وقد وصلت اخيرا الى العلن بعد الرسالة المشتركة للوزيرين السابقين ألان جوبيه وأوبير فيدرين، التي حذرت من quot;ان الماكينة الديبلوماسية تكاد ان تتحطم وهذا امر تمكن ملاحظته في كل العالم (...)quot;.

❑ ❑ ❑

وبغض النظر عن انخراط كوشنير في الجدال مع وزراء وسفراء سابقين يوجهون الانتقاد الى عمل الديبلوماسية الفرنسية، فاننا اليوم امام قصة ربما تمثل نموذجا حيا يؤكد وجود خلل في الماكينة الديبلوماسية الفرنسية.
فلقد كان من المفترض ان يقف الملك عبدالله الى جانب الرئيس نيكولا ساركوزي في افتتاح quot;معرض روائع الآثار السعوديةquot; الذي يقام في اللوفر، وان يشارك في احتفالات العيد الوطني الفرنسي، ولكن السعودية اعلنت إرجاء زيارة خادم الحرمين الشريفين، وقالت إن وزير الخارجية الامير سعود الفيصل سيفتتح المعرض ويجتمع مع نده كوشنير.
المثير اكثر من الاعلان السعودي عن ارجاء الزيارة ان فرنسا لم تشر بحرف الى هذا الارجاء ولم تشرح الاسباب، معللة هذا الصمت المريب بأن quot;الزيارة لم تعلن رسمياquot; ولهذا لا يمكن الحديث عن تأجيلها (!) وهذا كلام يسبب بالتأكيد حرجا للسعودية وخصوصا بعد الاعلان عن تأجيل زيارة الملك !
طبعا الرياض ابلغت الاليزيه قرار الارجاء، ولهذا كان مستغربا ألا يصدر اي بيان فرنسي بهذا الشأن بما يؤكد فعلا وجود خلل في الماكينة الديبلوماسية الفرنسية، التي تغاضت مثلا عن الخبر الذي نشرته صحيفة quot;الفيغاروquot;، منسوبا الى وزير الدفاع ايرفيه موران، وفيه ان الملك عبدالله قال له: quot;هناك بلدان لا يستحقان الوجود هما اسرائيل وايرانquot;.
وفي حين نفت الرياض نفيا قاطعا ان يكون الملك عبدالله قال هذا الكلام المستغرب، الذي ليس من طبيعة السعودية ولا من شيم الملك، اكتفت باريس بنشر quot;الفيغاروquot;، المقربة من quot;الاليزيهquot;، النفي السعودي، وكل هذا حصل عشية الزيارة التي كان يفترض ان يقوم بها الملك لباريس !

❑ ❑ ❑

صحيح ان الخارجية الفرنسية حاولت تخفيف الوقع السلبي لتأجيل زيارة الملك بتأكيد العلاقات الدافئة والمميزة بين البلدين، ولكن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو، وخصوصا ان نشر quot;الفيغاروquot; الكلام المفبرك المنسوب الى عبدالله جاء في حين كان الملك يزور الولايات المتحدة، حيث تحركت القوى الصهيونية داخل الكونغرس لعرقلة طلب السعودية شراء 72 طائرة مقاتلة من طراز quot;اف 15quot;.
هل هذه القصة هي نتيجة الخلل في الماكينة الديبلوماسية الفرنسية؟
ربما. ولكن فرنسا تبقى فرنسا، وإن كانت فعلا في حاجة ملحة الى اعادة تنظيم ماكينتها الديبلوماسية !