محمد كريشان
بعد أيام قليلة يعود المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل إلى استئناف مهمته 'التقريبية' بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي شهر أيلول/سبتمبر المقبل يقول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إن العرب سيحملون ملف المفاوضات إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار منه بإقامة دولة فلسطينية بعد أن عيل صبر العرب من تسويف إسرائيـلي لا يتوقف.
أما واشنطن فتريد الانتقال إلى المفاوضات المباشرة 'في أسرع وقت' ممكن هو، حسب الصحافة الإسرائيلية أول آب/أغسطس ولكنه حسب الرئيس باراك أوباما من المؤمل أن يكون على كل قبل 26 أيلول/سبتمبر، موعد انتهاء مفعول التجميد الجزئي للاستيطان في الضفة الغربية.
ومنذ أن توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بسبب العدوان على قطاع غزة نهاية 2008، لم نعد نشهد إلا تزاحما في اقتراح التواريخ وأشكال التفاوض وحيثياته فضاع جوهر الموضوع في زحمة تفاصيل لا أول لها ولا آخر. حتى تاريخ قيام الدولة الفلسطينية الذي حددت له خارطة الطريق عام 2005 لم يشهد سوى تمدد مفتوح لم يغب عنه حتى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي تكرم مؤخرا بالقول إنه من المستبعد أن نرى هذه الدولة قبل 2012.
ومع أن ما قاله رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات لــ 'القدس العربي' يوم أمس من أن السلطة لن تقبل الدخول في مفاوضات مباشرة دون تلبية إسرائيل لشروط عملية السلام، كلام واضح لا لبس فيه فإن التجربة أثبتت للأسف أنه عندما يشتد الخناق على القيادة الفلسطينية فإنها لن تتوانى عن التراجع وإيجاد المبررات لذلك. ورغم رفض عريقات كذلك الربط بين زيارة نتنياهو للقاهرة، وزيارة الرئيس محمود عباس الخميس المقبل فإن كثيرين يضعون أيديهم على قلوبهم لما يمكن أن يصدر عقب الزيارتين. صحيح أن مصر أكدت أكثر من مرة أن الوقت لم يحن للعودة للمفاوضات المباشرة وأنه ينبغي أن تأخذ المفاوضات غير المباشرة التي يرعاها الوسيط الامريكي جورج ميتشل وقتها حتى نرى نتيجة ملموسة على الأرض، لكن الصحيح كذلك أن ليس كل ما يعلن يؤخذ به في النهاية.
قبل أسابيع قال عمرو موسى إن العرب أخطأوا بالدخول في مفاوضات سلام لا نهاية لها، لكن الخطأ الأخطر هو استمراؤهم لذلك وعدم إحساسهم بأن عليهم في لحظة ما أن يصرخوا أن كفاية كل هذا الضحك على الذقون. اللافت أنه بمجرد قول هذا الكلام ينبري كثير من السياسيين العرب والفلسطينيين للزعم بأن ذلك يعني الحرب وأن العرب ليسوا جاهزين لخيار كهذا. وفي أكثر من مرة قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه مستعد لترك خيار المفاوضات وتبني خيار الحرب إذا ما نبع ذلك من قرار عربي جماعي مع أنه لا أحد يطرح الأمر بهذه الثنائية الحادة: مفاوضات أو حرب. لا أحد مستعدا للحرب الآن وويلاتها كثيرة وموازين القوى الخاصة بها مختلة على الأقل على الصعيد الرسمي، لكن هذا ذلك ليس معناه أن يدمن الفلسطيني التفاوض بلا أفق بل ويقبل عن وعي كامل أن يمارس بحقه كل أشكال النصب السياسي بما يؤدي في النهاية إلى أحد أمرين إما الكفر الكامل والنهائي بأي خيار للتسوية السلمية في المطلق أو الرضا بالشروط الإسرائيلية والخضوع الكامل لشروطها لمثل هذه التسوية.
أكثر من أدرك إمكانية اللعب على هذا الوتر هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فهو مع إيمانه الشديد بأنه لن يقدم شيئا للفلسطينيين إلا أنه يبدو متحرقا للعودة إلى المفاوضات. لماذا؟ لأن مثل هذه المفاوضات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، هي الكفيلة وحدها بستر عوراته حيث تتعاقب الجلسات وتنمق التصريحات ولا يحدث شيء على الإطلاق. وحتى إذا ما اتفق على شيء ما لن ينفذ وهكذا. في الأثناء يزداد أوباما أكثر فأكثر اقترابا من ثوابت السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الشرق الأوسط ويتبخر حلم التغيير. وفي كل ذلك يجب أن يتوقف الفلسطينيون والعرب عن لوم إسرائيل والولايات المتحدة وأن يشرعوا بجد في محاسبة أنفسهم. بدون ذلك ستستمر الكذبة والأخطر من الكذاب هو من يصدقه عن طيب خاطر.
التعليقات