خيرالله خيرالله

لا يمكن بأي شكل الاستخفاف بالحدث المهم الذي شهدته إيران قبل أيام. يتمثل هذا الحدث في انضمام البازار إلى حركة الاحتجاج على النهج الذي يتبعه الرئيس محمود أحمدي نجاد وحكومته. كان للبازار دائماً دور في أي تحرك ذي طابع سياسي في إيران طوال حكم الشاه. دعم البازار ثورة آية الله الخميني وساعد في اسقاط نظام الشاه. بعد ذلك، لعب دوراً أساسياً على صعيد دعم النظام الذي حظي بتأييد الطبقة التي يرمز إليها البازار. استطاع النظام الإيراني القائم منذ واحد وثلاثين عاماً الحصول على دعم تجار البازار عن طريق المحافظة على مصالحهم. أن يتخلى أهل البازار عن القيمين على النظام، أو على الأصحّ عن المجموعة الحاكمة حالياً، يعكس بحد ذاته تطوراً كبيراً ويشير إلى أن هناك تحولات في العمق طرأت على المجتمع الإيراني، وعلى موقفه من محمود أحمدي نجاد وما يمثله.
لم يعد سرّاً أن انقلاباً حصل في إيران. نُفّذ الانقلاب على مرحلتين. كانت الأولى، لدى انتخاب أحمدي نجاد رئيساً في يونيو 2005. ينسى كثيرون الآن أن منافسه على الرئاسة كان وقتذاك هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق وأحد أعمدة النظام، واحد المقربين من الخميني... ومن البازار. حقق أحمدي نجاد في حينه انتصاراً ساحقاً على رفسنجاني بحصوله، تقريباً، على ضعفي الأصوات التي حصل عليها (نحو سبعة عشر مليون صوت لأحمدي نجاد في مقابل أقل من عشرة ملايين صوت لرفسنجاني). بدا واضحاً أن إيران دخلت مرحلة جديدة شكل أحمدي نجاد رأس الحربة فيها.
من كان لديه أدنى شك في ذلك، فقد تأكد من الأمر في يونيو 2009 عندما فاز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية مجدداً في ظروف أقلّ مما يمكن أن توصف به أنها ملتبسة. اعترض منافسوه، على رأسهم مير حسين موسوي على النتيجة، وحركوا الناس. اتخذ تحركهم شكل ثورة سلمية سميت بـlaquo;الثورة الخضراءraquo;. ولكن بدا واضحاً أن شيئاً ما كان ينقص التحرك الشعبي الذي واجهته السلطة بالقمع. أكدت السلطة المدعومة من laquo;الحرس الثوريraquo;، بتغطية من مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي، أنها لن تسمح بأي عودة عن الانقلاب وبأي تجاوز لمحمود أحمدي نجاد أو للخط الذي يمثله. ما كان ينقص laquo;الثورة الخضراءraquo; هو دعم البازار الذي يعبر في العادة عن نبض الشارع وما يحس به المواطن العادي في طهران وخارجها.
من الواضح أن انضمام البازار إلى المعترضين يشير إلى أنّ عملية العد العكسي لعهد محمود أحمدي نجاد وكل ما يمثله، دخلت مرحلة جديدة أكثر جدية من الماضي. يعود ذلك إلى سببين رئيسيين أولهما، عدم قدرة الرئيس الإيراني على التعاطي مع المجتمع الدولي، والآخر، سياساته الداخلية التي تنم عن قصر نظر، في أحسن الأحوال.
لم يستوعب أحمدي نجاد أن العقوبات الدولية أمر جدّي وأنه لا يمكن الاستخفاف بها وأنها ستكون لها، عاجلاً أم آجلاً، انعكاساتها على المواطن الإيراني. هزأ من العقوبات ولا يزال يتظاهر بأنها غير ذات شأن إلى أن اكتشف أن الأمر ليس مزحة خصوصاً عندما يصل إلى حدّ الاضطرار إلى رفع الدعم عن الوقود. انه قرار غير شعبي سيبدأ تنفيذه في سبتمبر المقبل وهو يطول ملايين الإيرانيين المستفيدين من الدعم.
ما لم يستوعبه الرئيس الإيراني أيضاً أن توزيع الأموال، وان بمبالغ صغيرة، على المواطنين يمكن أن يساعد في رفع شعبيته. لكن مثل هذه السياسة تتسم بالعقم في المدى الطويل، خصوصاً أنها تساهم في قيام اقتصاد ذي طابع ريعي لا يصب في مصلحة المواطن الفقير الذي تعود على الدعم الحكومي من جهة، وبدأ يسأل من جهة أخرى لماذا تذهب أموال الدولة الإيرانية إلى بعض الفئات في لبنان أو غزة؟
شيئاً فشيئاً، تزداد النقمة على المجموعة الحاكمة في إيران. انضم البازار إلى المعترضين على محمود أحمدي نجاد. بدأ الإيرانيون يتساءلون: لماذا تحدى المجتمع الدولي بهذه الطريقة السافرة؟ ما الفائدة من البرنامج النووي الذي يكلف أموالاً باهظة ولا يعود على المواطن العادي سوى بالعقوبات؟
منذ إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً قبل أربعة عشر شهراً لم تتوقف الاحتجاجات في إيران. اللافت حالياً أن رقعة هذه الاحتجاجات تتسع خصوصاً بعدما طالت كل فئات المجتمع، بما في ذلك الذين يودون السفر إلى الخارج. هناك حظر على هبوط الطائرات الإيرانية في معظم مطارات أوروبا. وهذا يعني أن على كل إيراني يريد مغادرة البلد شراء تذكرة السفر بالعملة الصعبة. بكلام أوضح، بات عليه أن يدفع خمس مرات ثمن التذكرة التي كانت تسمح له بالسفر بواسطة الخطوط الإيرانية.
في النهاية، لا يمكن لأيّ دولة من الحجم المتوسط مثل إيران أن تلعب أدواراً على الصعيد الإقليمي تفوق حجم قدراتها. مثل هذه الأدوار ستكلفها كثيراً، خصوصاً في غياب القاعدة الاقتصادية الصلبة. لعلّ الفشل الأكبر للثورة الإيرانية في العجز عن الاستغناء عن النفط ومداخيل النفط. وعد القيمون على الثورة منذ اليوم الأول لإسقاط الشاه والتخلص من نظامه بعدم ابقاء الاقتصاد أسيراً للنفط. بعد واحد وثلاثين عاماً على الثورة، يبدو النظام الإيراني أسير النفط أكثر من أي وقت. من يتحكم في أسعار النفط يتحكم في الاقتصاد الإيراني. لم يتنبه محمود أحمدي نجاد إلى العلاقة بين الاقتصاد والدور الإقليمي أو العالمي. لم يتذكر أن انهيار الاتحاد السوفياتي إنما تسبب فيه ضعف قاعدته الاقتصادية قبل أي شيء آخر. هل يستفيد من درس الاتحاد السوفياتي الذي كان قوة نووية وترسانة عسكرية ضخمة تقف على اقتصاد ضعيف؟ في حال تنبه إلى ذلك، سينصرف اليوم قبل غد إلى الهموم الداخلية لإيران وسيطرح على نفسه سؤالاً في غاية البساطة: لماذا بلغت النقمة البازار؟