محمد نور الدين

وصلت المفوضة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى أنقرة في زيارة مهمة التقت خلالها ولأكثر من خمس ساعات مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.
وكان اللقاء في إطار الحوار التركي الأوروبي.
ويأتي اللقاء في غمرة الانتقادات الغربية لتركيا بأنها غيّرت محورها وانتقلت من موالاة الغرب إلى موالاة الشرق ولاسيما العرب والمسلمين.
كما أن اللقاء يجيء بعد انتقادات للرئيس الأميركي باراك أوباما للأوروبيين بأنهم مسؤولون عن توجه تركيا المشرقي بسبب العراقيل التي يضعها الاتحاد الأوروبي أمام تركيا وتؤخر تقدم مسارها الأوروبي كما عضويتها الكاملة.
وفي ختام المحادثات كان أحمد داود أوغلو يصرح بأن على الاتحاد الأوروبي أن يحسم خياره الإستراتيجي في شأن العضوية التركية.
الجواب الأوروبي جاء مباشرة من رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا غيون الذي قال إن جميع دول البلقان يمكن أن تصبح عضوة في الاتحاد الأوروبي ما عدا تركيا. وقال فيون جازما إن تركيا لا يمكن أن تكون عضوا كامل العضوية في الاتحاد بل شريكا مميزا في أفضل الحالات.
لا يمكن بالطبع أن نرسم صورة الاتحاد الأوروبي في ضوء بعض التصريحات من هنا أو هناك.
فالوضع مثلا قبل أربعين سنة وقبل عشر سنوات لم يكن على ما هو عليه الآن. في جانب منه كان أسوأ وفي جوانب أخرى كان أفضل.
وكلما اتجهت أوروبا يمينا كان الموقف من تركيا سلبيا أكثر. لكن لا أحد بالطبع يمكن أن يجزم بما سيكون عليه الوضع بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة.
كما لا أحد يمكن أن يتنبأ بما ستكون عليه العوامل الدولية في المستقبل. حيث إن رفض تركيا المشاركة مع أميركا غزو العراق عام 2003 كان عاملا مسهلا لقبول المفاوضات المباشرة مع تركيا من جانب أوروبا على اعتبار أن تركيا برهنت أنها ليست تابعا أميركيا.
وبعدها كان بدء المفاوضات المباشرة في نهاية العام 2004.
كما أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت عاملا لتشجيع التيارات المعتدلة في تركيا لمنع انجرارها إلى التطرف الديني وما يشكله ذلك من تهديد للأمن والاستقرار في أوروبا، حيث تركيا عند حدودها فضلا عن وجود جاليات إسلامية وتركية كثيرة في الدول الأوروبية.
ولكن يبقى أن كلام داود أوغلو عن الخيار الإستراتيجي لأوروبا مهم، إذ إن الاتحاد الأوروبي لا يزال حتى الآن بمثابة قوة quot;قاريةquot; داخل أوروبا ولم يقم بعد بأدوار عالمية مؤثرة كمجموعة. وكل دولة فيه لها برنامجها وخططها الخاصة بها. وتبقى أوروبا ثالثة أو أكثر بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وإذا كان الانطباع السائد لدى مسلمي العالم ومنهم تركيا أن أوروبا لن تضم تركيا لأنها دولة مسلمة، فإن وضع المسألة فقط في هذه الدائرة يتنافى مع العوامل المتحكمة في أي قرار أوروبي. إذ لو أن تركيا دولة مسيحية فهل كانت أوروبا تأخذها حتما إلى عضويتها؟ أم أنها كانت ستأخذ بعين الاعتبار أن حدودا جديدة لأوروبا ستظهر في الشرق الأوسط مع عوالم متعددة عربية وإيرانية وأرمينية وأذرية وكردية؟. صحيح أن تركيا تقدم لأوروبا وضعا أقوى على الساحة العالمية والإسلامية لكن أيضا لا يمكن إنكار الهواجس من التجاور الجغرافي الجديد.
وإذا كان الجانب الأوروبي مسؤولا بمقدار عن وضع العراقيل أمام تقدم تركيا على الطريق الأوروبي ولاسيما فيما خص القضية القبرصية، غير أن مسؤولية كبرى بل اكبر تقع على عاتق الأتراك الذين لم يتقدموا بما فيه الكفاية على طريق الإصلاح وتحويل تركيا إلى بلد حديث على كل الأصعدة الديموقراطية والحريات وحقوق الأقليات والإنسان. حيث لا تزال المشكلة الكردية من دون حل كما مشكلة الأقليات الأخرى ولا يزال الجيش موجودا بقوة في الحياة السياسية رغم كل محاولات تحجيم دوره.بل كيف يمكن لأوروبا أن تضم تركيا حيث يتيح القانون للجيش استخدام القوة العسكرية للإطاحة بأي سلطة سياسية في حال تعرض العلمانية والجمهورية للخطر؟.
إن الإصلاح مطلب ملح من أجل تقدم تركيا بمعزل عن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. لكن الشيء الثابت حتى الآن أن الأتراك لا يقومون بالإصلاح من أجل الإصلاح بحد ذاته بل لتصفية حسابات داخلية ومن أجل تغليب طرف على آخر ولذلك كان الإصلاح منذ خمسين سنة ولا يزال مزاجيا مرتبطا باللحظة السياسية وليس مشروعا حضاريا تحتاجه تركيا وأي دولة تريد التقدم. وهذا هو سر تخلف المجتمعات العربية والإسلامية.