الكويت - زهير الدجيلي

سرعان ما كرّت السبحة وتسارعت ردود الفعل المثيرة للخصومة بين البلدين الجارين العراق والكويت، بعد نشر خبر يحمل تصريحات منسوبة الى سفير العراق في الجامعة العربية الدكتور قيس العزاوي، التي اثار فيها من جديد ـ حسب الخبر ـ الخلاف الحدودي بين البلدين، الذي حسمه مجلس الامن بترسيم حظي بموافقة البلدين وبدعم من الشرعية الدولية، مما جعل هذه القضية منتهية وليست مطروحة في واقع العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام صدام الذي كان الجهة المعنية بكل المشاكل التي حدثت بعد غزو الكويت عام 1990.
وبصراحة فوجئت مثل غيري من الاصدقاء عند سماعي الخبر، ليس بمحتوى الخبر الذي قيل لي انه منشور في موقع الكتروني، انما دافع المفاجأة كان الشخص المنسوب اليه الخبر، وهو الدكتور قيس العزاوي، فأنا أعرف الصديق العزاوي قبل ان يكون سفيراً، وكان بين حين وآخر يزور الكويت ويلتقي بشخصياتها السياسية والثقافية والصحفية، وله علاقات طيبة مع بعضهم، وحينما كنت مراسلا لجريدتي القبس والزمن من واشنطن قبل سقوط نظام صدام كان العزاوي ينشر الى جانبي صفحاتي احيانا مقالاته الموالية لحق الكويت، ليس تملقا لاصحابه الكويتيين او تزلفا لاحد انما شأنه شأن العراقيين الكرام، كان يدرك مدى فداحة الغزو الذي اضر بالكويت وما هي الحقوق المترتبة للكويت على العراق.
لم اصدق ما جاء في الخبر وما نسب الى الدكتور العزاوي، وكان عليّ ان اتحرى الامر بحكم تلك الصداقة، فيما راحت ردود الفعل ومنها ردود فعل رسمية تتسارع ضد التصريح ولا تترك فرصة للتأني او التحري المحايد، ذلك لان الاجواء بين البلدين كما يبدو أصبحت تهزها نفخة طفل عابر، وهناك من يتربص بها بحكم الغريزة او الطبيعة الاخلاقية، ليجعلها laquo;على قلق كأن الريح تحتي اوجهها جنوبا او شمالاraquo; على ما يقول الشاعر المتنبي.
كان مصدر الخبر الذي نقله مراسل وكالة الانباء الكويتية هو موقع laquo;حديث المدينةraquo; الذي يصف نفسه انه laquo;موقع كويتي يصدر من لندنraquo;، وعن هذا الموقع نقل موقع laquo;الآنraquo; الكويتي الخبر نفسه، غير ان موقع laquo;حديث المدينةraquo; اعلن انه اخذ الخبر من موقع عراقي يصدر من مدية ديربورن في ولاية متشيغان الاميركية اسمه laquo;شمس العراقraquo; الذي نشر ملخصا غير دقيق مختلف عن تسجيل صوتي لمداخلة شفوية شارك فيها الدكتور قيس العزاوي بندوة عقدت في القاهرة، ولم تكن مداخلته سوى دقائق معدودات، وصيغ خبر عن مضمون هذه المداخلة من قبل مراسل ذلك الموقع (شمس العراق)، ومن الصعوبة بمكان - حسبما يعرف الزملاء الصحافيون - ان يكون الصحافي دقيقا جدا في نقل حديث شفوي سريع لمشارك في ندوة مهما كانت مهارته الصحفية، اللهم الا اذا رجع الناقل لصاحب الحديث وعرض عليه ما نقل عنه لكي لا يكون هناك خلاف بين ما هو منشور وبين ما قاله المتحدث حقيقة.
ان صفحة الماضي السيئ بين البلدين الشقيقين طويت. وقبرت آثار مآسيها مع ذلك النظام الذي راح وولى. وقد شهدت العلاقة بين العراق والكويت تحسنا بل ازدهارا في العديد من المجالات. وكان لمواقف المسؤولين في كلا البلدين التي ترفعت عن الضغائن وابتعدت عن نبش ذلك الماضي اطيب الاثر في بناء علاقات جديدة تتطلع الى المستقبل. فجميع هؤلاء المسؤولين يدركون ان خصوصية العلاقة بين البلدين تتطلب دائما علاقات طيبة مبنية على احترام الحقوق والمنافع المشتركة وليس ببناء جدار القطيعة والحرب الاعلامية المستمرة ونبش الماضي والعيش بالضغائن. وما تعيين سفير عراقي متفهم لهذه الحقيقة ومعروف بحبه وسعيه لبناء افضل علاقة بين البلدين الا خير دليل على ذلك.
ولابد ان ندرك تماما ان هناك قلة من البشر في كلا البلدين لا تريد ترك ظلام ذلك الماضي والانتقال الى فسحة المستقبل التي تبنى فيها ازهى العلاقات بين الشعبين الشقيقين. ففي العراق كما في الكويت هناك من هؤلاء القلة من يحاول نفخ الرماد لعله يعثر على بقايا جمر في موقد نار انطفأ وتركته القافلة. وحري بنا دائما ان نحسب حسابا للوشاة الذين يحاولون الظهور بمظهر الوطنية ببناء جدار القطيعة بين البلدين.