أمير طاهري

المدارس والمستشفيات والوظائف والأمن والسكن اللائق.. كل هذه الأشياء ما هي إلا جزء من أشياء قليلة ما زالت أفغانستان غير قادرة على توفيرها حتى لجزء من سكانها. وهذا على الرغم من أن ما يقرب من 100 مليار دولار من المفترض أنها ضخت في اقتصاد أفغانستان بواسطة أكثر من 60 دولة من laquo;الدول المانحةraquo; على مدى العشر سنوات الماضية.. ونحن نقول laquo;من المفترضraquo; لأنه ليس هناك سوى دلائل بسيطة على وصول هذه المساعدات إلى أفغانستان.

وعلى أي الأحوال، فإن أفغانستان ربما تفتقد أشياء كثيرة لكن الشيء الوحيد الذي لم تفتقده هو المؤتمرات الدولية التي تناقش كيفية مساعدتها في النهوض بعد 30 عاما من الحرب والتدمير. وانعقد آخر هذه المؤتمرات في كابل مؤخرا بحضور وزراء خارجية ومسؤولين بارزين من 66 دولة. وحقيقة أن عقد المؤتمر تم على الرغم من التفجيرات الانتحارية والهجمات الصاروخية هو في حد ذاته خبر جيد. لكن، عنده تتوقف الأخبار السارة. وقد ساد الحديث عن فتح حوار مع طالبان هذا المؤتمر، وبخاصة داخل الأروقة المغلقة.

وقد أصبح الحوار مع طالبان شعارا لأولئك الذين لم يعد لديهم أفكار جديدة حول ما يجب عمله لمساعدة أفغانستان. وهذا يشمل الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وإدارة أوباما في واشنطن والحكومة الائتلافية البريطانية الجديدة.

إن حديث الرئيس كرزاي عن الحوار مع طالبان ليس مفاجأة، فقبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) على نيويورك وواشنطن كان على اتصال مع حركة طالبان، بصفته من عيون الحركة في الولايات المتحدة. وفي واحدة من تلك المفارقات التي تضيف نكهة للتاريخ، تم اختيار كرزاي سفيرا لطالبان في واشنطن قبل أسابيع من هجمات 11 سبتمبر. بالطبع لا كرزاي، الذي كان يعيش في واشنطن في ذلك الوقت، ولا حركة طالبان في أفغانستان كانوا يعلمون ما يخبئه القدر.

كما أن حديث إدارة أوباما عن اجتذاب حركة طالبان ليس غريبا. فأوباما هو أحد منتجات سياسات يسارية عفا عليها الزمن، ترى أن الولايات المتحدة قوة استعمارية وأن تدخلها في الدول الأخرى غير مبرر وغير قابل للتبرير. وعلى الرغم من أنه اضطر إلى القيام ببعض الضوضاء التي لها علاقة بالحرب ليهدأ الرأي العام في الولايات المتحدة، فإن أوباما يحلم بتراجع استراتيجي للولايات المتحدة (أما إذا كان سيتمكن من تحقيق هذا الحلم فهذا أمر آخر).

وبالمثل، فحديث الحكومة البريطانية الجديدة عن الحوار مع طالبان أمر طبيعي. فقد جعلت هذه الحكومة فكرة خفض عجز الميزانية مركزا لعقيدة سياسية جديدة. وبقاء القوات البريطانية في أفغانستان يكلف المال، والأرواح. وبالتالي، بناء على مبادئ، من الممكن أن يساعد الحوار مع طالبان في خفض عجز الميزانية، لذلك تفكر فيه!

القائد الجديد للجيش البريطاني ادعى أن جميع الحروب ضد جماعات التمرد تنتهي بالحوار مع هذه الجماعات.

وما لم يذكره هو أن جميع هذه المحادثات جرت بعد هزيمة المتمردين وسحقهم. وأحدث مثال على ذلك كان في العراق عندما قام الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس بفتح حوار مع المتمردين بعد أن هزموا، وساعد في تأمين حصة لهم في الحكومة العراقية.

ومع ذلك، فإن الحجة الرئيسية التي يعتمد عليها من يؤيدون الحوار مع طالبان هي الادعاء بأن غالبية الأفغان يريدون مغادرة قوات حلف شمال الأطلسي. إلا أن استطلاعا للرأي صدر مؤخرا عن المجلس الدولي للأمن والتنمية، وهو مركز أبحاث كبير متخصص بالشأن الأفغاني، يقدم صورة مختلفة تماما. ووفقا لهذا الاستطلاع فإن غالبية الأفغان يعتقدون أن قوات الناتو جاءت من أجل مصلحتهم، ولا يريدونها أن تتسرع في مغادرة أفغانستان.

ويقول تقرير المجلس الدولي: laquo;إن البحث كشف عن بعض النجاحات.. فأغلبية ضئيلة (55 في المائة) من الأفغان، الذين تم إجراء مقابلات معهم، يعتقدون أن الناتو والحكومة الأفغانية يحققون انتصارات في الحرب، مما يدل على أن معركة المفاهيم لا تزال مفتوحة. وأكد 40 في المائة من أفراد العينة الأفغانية أن الديمقراطية مهمة لهم، كما أوضح 72 في المائة أنهم يفضلون أن ينمو أطفالهم في ظل حكومة منتخبة بدلا من حركة طالبان. وهناك أيضا تقدم في رأي الأفغان المشاركين حول حقوق المرأة، فقد أكد 57 في المائة من الذين أجريت معهم المقابلات دعمهم لتعليم الفتياتraquo;.

ووفقا للبحث نفسه فإن 80 في المائة من الأفغان يعتقدون أن تنظيم القاعدة سيعود في ظل حكم طالبان. وغالبية الذين تمت مقابلتهم يعتقدون أن أكثر من ثلث الأفغان يدعمون حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وحتى لو كانت هذه الأرقام صحيحة فإنها لا تزال تظهر أنه حتى البشتون، الذين يشكلون 38 في المائة من مجموع السكان، ليس جميعهم يدعمون طالبان وتنظيم القاعدة، محور الإرهاب.

لكن جميع هذه الأرقام ليست هنا ولا هناك. وعلى الرغم من أن الدعم الشعبي لأي حرب ضروري فإنه سيكون من الحماقة، إن لم يكن الانتحار، وضع استراتيجية على أساس استطلاعات الرأي.

وقد تكون مشكلة الحرب في أفغانستان فقدان قوات الناتو لأعصابها وصبرها وليس أي نجاح عسكري تحققه حركة طالبان. في الواقع، فإن لجوء طالبان حديثا إلى الهجمات الانتحارية ضد أهداف مدنية سهلة، وقتل الأفغان الأبرياء، علامة واضحة على يأسهم. فلعدم قدرتهم على مهاجمة قوات الناتو أو السيطرة على أي جزء من الأراضي الأفغانية، قرروا القيام بالقتل العشوائي من أجل البقاء في دائرة الأخبار.

اليوم، حركة طالبان تسيطر على ثلاث مناطق إدارية فقط من إجمالي 300 منطقة في أفغانستان، أي أقل من نصف في المائة من سكان أفغانستان.

هناك أيضا بعض الوجود السري لطالبان وحلفائها المحليين في أربعة من ثلاثين إقليما أفغانيا. وباستثناء مدينة قندوز، ذات الأغلبية البشتونية، فإن شمال أفغانستان خال من أي وجود لطالبان كما هو الحال في وادي بدخشان وكل الأقاليم الغربية ومنطقة نورستان. وكابل نفسها لم تستقر لطالبان حتى في أفضل أيامها، إذا وجدت مثل هذه الأيام.

أما اليوم، فمن غير المرجح أن تكون هناك شريحة كبيرة من سكان كابل يودون العودة إلى الأيام السيئة لحكم طالبان.

القاعدة الرئيسية لدعم طالبان موجودة في إقليم البشتون في باكستان، وإقليم بلوشستان الباكستاني، الذي يقع على الحدود مع أفغانستان.

القائد الأعلى لحركة طالبان الملا محمد عمر وكبار مساعديه يقيمون الآن في مدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني. وهذا ما يفسر لماذا يطلقون على عصبتهم مجلس كويتا.

وإذا تم حرمانهم من شريان حياتهم في باكستان، فيصبح الملا عمر وزمرته مجرد عصابة مزعجة غير ذات أهمية من قطاع الطرق من النوع الذي شهدت منه أفغانستان الكثير. وقطع هذا الشريان هدف عسكري لا يمكن تحقيقه من خلال أي من المجموعات الكثيرة من الذين يطلقون على أنفسهم طالبان.

مثل حركات التمرد الأخرى، فإن الحركة الموجودة في أفغانستان يجب، وفي نهاية المطاف، أن تنتهي بالهزيمة. وما إن يتحقق هذا الهدف، فسنكون من بين أول من يدعو للحوار مع طالبان.