زيّان

لا رواق على ما يبدو، وعلى ما تقول عرّافات دلفي، وعلى ما تعلن عنه الخطب والمؤتمرات الصحافية والترويجات الاعلامية.
ولا مَن يروّقون.
بل على العكس. فالتصعيد هو الذي يقدّم نفسه كبطل او كنجم ساطع للمرحلة المقبلة، مصحوبا بمزيد من البروق والرعود، والاتهامات، والمطالب العرقوبية التي تبدأ بالقرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتنتهي، مبدئيا وحاليا، عند المحكمة الدولية.
واذا كان المكتوب يٌقرأ من عنوانه، فالدلالات والمؤشرات quot;تزفّquot; الى اللبنانيين quot;حزمةquot; من الأنباء والتوقعات والتطورات غير السارة.
ولكن، ما ذنب لبنان؟ ما ذنب اللبنانيين، ماذا يستطيع ان يقدم هذا البلد الصغير المقهور والمحشور بين حروب الأهل وذوي القربى، وحروب الآخرين، وحروب اسرائيل الهمجية واجتياحاتها الوحشية وتهديداتها المتواصلة للتحتية اللبنانية، وبلسان افيغدور ليبرمان الواقع في هوى هذه التحتية من صغره؟
ليس المطلوب ان يقف احدهم ويقول ان كل ما quot;يفعلونهquot;، وحتى الحروب التي يسوقون اللبنانيين اليها دون علمهم، هو من اجل لبنان، ووحدته، ومنعته، ومستقبله، ودفاعا عن وجوده ومصيره،
بل المطلوب ان يقف من يفسّر ويشرح للبنانيين لماذا يطلبون منهم وحدهم ومن لبنانهم وحده ان يكون دائما كبش الفداء عن الجميع.
ومنذ كانت النكبة الفلسطينية حتى نبتت مصانع ومعامل الطموح النووي في ايران، مرورا بمجمل النكسات والانقلابات والازمات العربية، من دون اهمال همّ العراق، وصولا الى المخيمات والحقوق الاجتماعية، صعودا الى كل شوكة تدق برجل اعرابي من المحيط الى الخليج؟
وحده لبنان، وحده على امتداد نيف وستين سنة، كُتب عليه ان يقدم القرابين والاضاحي نيابة عن كل العرب، ان يتحول ساحة لتصفية حسابات هذه العاصمة العربية او تلك مع هذه الدولة الاميركية الاوروبية الكونية او تلك.
واليوم كما الامس، كما منذ اشهر واعوام وعقود، يريدون لهذا اللبنان ان يتهيأ لجولة جديدة من تصفية حسابات مفتوحة مع كل مَن يوافق على معاقبة ايران، او تأييد توجهات ابو مازن السلمية، وغيره وغيراته الكثير...
وعَبر الساحة اللبنانية، بالطبع والتأكيد.
الآن، وُضعت هذه الملفات وقضاياها جانبا، ليتفرّغ الشباب للمحكمة الدولية والقرار الظني، وقرع طبول الحروب والويل والثبور اذا لم يستجب العالم لسلسلة مطالب لا تزال مبهمة. او غير واضحة. او غير جاهزة.
والخير لقدام حتما، وفي السياق نفسه.
اما الكلام الملتهب الذي رُمي في وسط الساحة السياسية، فقد جاء بمثابة صب الزيت على النار.
باختصار وصراحة، ثمة لبنانيون يرفضون ان يدعوا لبنان هادئا مرتاحا، منصرفا الى الاهتمام بازماته وهمومه المعيشية والاجتماعية، وديونه التي وصلت الى الطبقة الخامسة والخمسين. يريدونه ان يبقى كطبخة بحص فوق نار تخفّ او تحمى عند الطلب.