أمل زاهد

أ تفق تماما مع الرأي الديني القائل بجواز كشف وجه المرأة،
وأؤمن أن وجه المرأة هو هويتها، وأن تعود الرجال على
رؤية وجوه النساء سيقتل دهشتهم، وسيحجم من هوس
التطلع لما يختفي وراء النقاب! ومن يعيش في الغرب يدرك
أن وجه المرأة لا يمكن أن يلفت النظر مطلقا ولا يمكن أن
يجعل منها هدفا للغزل أو التحرش. فضلا على أن النقاب
كثيرا ما يعرض المرأة المسلمة التي تعيش في الغرب للأذى
والمضايقات من المتطرفين، فيكون النقاب سببا في جلب
الأذى بدلا من دفعه؛ قال تعالى:(ذلك أدنى أن يعرفن فلا
يؤذين). رغم قناعاتي الآنفة لكني أقف بالمطلق مع حرية
الاختيار، فالمسألة حرية شخصية أولا وأخيرا، وللمنقبة أو
غير المنقبة الحق في اختيار الرأي الديني الذي يتواءم مع
قناعاتها ويريح ضميرها.
ومعركة النقاب التي أشعلت فرنسا فتيلها، ثم امتد لظى
كرها وفرها إلى باقي أوروبا، تقوض - في رأيي - قيم
العلمانية ومبادئها التي ترفع تلك البلاد لواءها! ويتبنى
هذا الرأي عدد من مثقفي تلك البلاد فضلا على مؤسسات
حقوقية غربية لإيمانهم بالحرية كقيمة مطلقة، ومن
أن حظر النقاب ينتهك قيم العلمانية ودساتير تلك الدول
التي تكفل حرية الأديان. والقضية قضية سياسية تروم
بها الأحزاب السياسية -التي فقدت شعبيتها - مغازلة
المتطرفين الأوروبيين الذين يكرهون المسلمين، واستقطاب
رجل الشارع الأوروبي المصاب بداء (الإسلاموفوبيا) ndash;
الخوف الهيستيري من الإسلام وكل ما يمت له بصلة منذ
أحداث ١١ سبتمبر!
في فرنسا مثلا لا يتجاوز عدد المنقبات ٣٦٧ منقبة من أصل
الجالية المسلمة الكبيرة، ومعظمهن يقمن في ضواحي المدن
الفرنسية الكبرى، و ٢٦ ٪ منهن لسن مسلمات أصلا بل
اعتنقن الإسلام، وجميعهن يخضعن لمراقبة وزارة الداخلية
الفرنسية للتأكد من عدم انتمائهن لخلايا متطرفة حسب
ما نقلته جريدة الرياض عن وزارة الداخلية الفرنسية
نفسها، وبذلك ينتفي المسوغ الأمني وهو أحد المسوغات
التي ترفعها فرنسا للحظر! فعلى عكس ما يمكن أن يحدث
في بلاد الأصل فيها هو النقاب، والذي يمكن من خلاله
تخفي الإرهابيين وتنكرهم، لا يشكل النقاب في فرنسا
ظاهرة حتى لو وصل العدد لألفين أو ثلاثة كما تقول
رواية أخرى، وفي بلجيكا يبلغ عدد المنقبات بضع مئات
وكذلك في ألمانيا، وهنا يبدو جليا أن المسألة برمتها تخضع
للتضخيم والتهويل ومن ثم افتعال معارك لا أصل لها! أما
المبرر الحقوقي المدني القائل بحماية حق المرأة في الاختيار
فمردود عليه، فالعدد الأكبر من النساء اللواتي يرتدين
النقاب في فرنسا يخترن ذلك بمحض إرادتهن، وذلك حسب
دراسات فرنسية حقوقية، والنقاب وحتى الحجاب لا
يخضعان للإلزام الجبري هناك.
الليبرالية الحقيقية لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون مائلة
الكفة، والعقلية النقدية لا تطبق فقط على الذات، بينما
يصيبها العمى والخرس إذا ما تعلق الأمر بالآخر كما نرى
ونقرأ في بعض منتجات الليبرالية (المزيفة) في عالمنا العربي
السعيد! حظر النقاب سيكون وصمة عار على جبين
أوروبا العلمانية، وإساءة لتاريخها في احتواء كافة الأديان
والأعراق بعيدا عن العنصرية، بل هناك من يرى أنه سيكون
مفرخا للتطرف وممارسة العنف على الجانبين!