الياس حرفوش


تزداد عزلة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يوماً بعد يوم، بعد اصراره على التشبث بمنصبه، على رغم انقضاء اربعة شهور على الانتخابات التي لم يحقق فيها ائتلاف laquo;دولة القانونraquo; اكثرية واضحة تسمح له بتأليف الحكومة وحيداً كما كان يأمل. وتعززت هذه العزلة اخيراً بمواقف كتل شيعية بارزة من المالكي، أهمها الكتلة الصدرية والمجلس الاسلامي الأعلى. فعلى رغم ان مقتدى الصدر، المعروفة ارتباطاته الوثيقة بايران، استطاع ان يجد نقاطاً مشتركة للالتقاء مع اياد علاوي زعيم laquo;القائمة العراقيةraquo; ورئيس الحكومة السابق، فانه تجنّب في اتصالاته الاخيرة التي اجراها خلال زيارته للعراق لقاء المالكي. هذا في الوقت الذي دعا عمار الحكيم زعيم المجلس الاسلامي رئيس الحكومة الى افساح الطريق امام شخصية اخرى، معتبراً ان اصراره على رئاسة الحكومة هو الذي اعاق تشكيلها طوال الفترة الماضية. وتحدث الحكيم عن laquo;التصلب والتعنت والتشبث بالمواقع الذي تبديه بعض الأطرافraquo; مضيفاً: laquo;لماذا لا يتخلى الرجل الواحد ولا يعطي الفرصة لغيره حينما نجد كل هذه التحفظات الواسعة على شخصه؟raquo;

هكذا تستمر الازمة الحكومية في العراق بينما تستعد القوات الاميركية لترك مهماتها القتالية في هذا البلد في آخر آب (اغسطس) المقبل. بعد هذا التاريخ لن يبقى في العراق سوى 50 ألف جندي اميركي (من اصل 80 الفاً حالياً) ستقتصر مهماتهم على مساندة القوات العراقية وتوفير الدعم لها. ومعروف ان هذه القوات ستنسحب في شكل كامل بنهاية العام المقبل، ما يعني ان العراقيين سيكونون مسؤولين وحدهم عن تسيير امورهم بعد اقل من عام ونصف عام من الآن.

تواريخ ومواعيد ملحة كهذه كان يفترض ان تلقي بثقلها على القادة والسياسيين العراقيين ليتحملوا مسؤولياتهم ويبادروا الى اثبات جدارتهم بادارة بلدهم بعد سبع سنوات على سقوط النظام الذي كانوا يعتبرونه سبباً لكل مصائب العراق، وفي ظل شكواهم المستمرة من ظلم الاحتلال الاميركي. بدلاً من ذلك نجد ان القوة التي تحتل العراق هي التي تبادر الى دعوة هؤلاء القادة الى التفاهم وإخراج بلدهم من المأزق الذي يواجهه، مع ما يمكن ان يترتب على ذلك من مخاطر انهيار امني لا يُستبعد أن يستغله معارضو الوجود الاميركي، كـ laquo;القاعدةraquo; والمتحالفين معها، لضرب عملية الاستقرار في هذا البلد.

اضافة الى ذلك هناك لائحة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها العراق والتي تحتاج الى معالجة. وبالامس عددت افتتاحية لصحيفة laquo;النيويورك تايمزraquo; الاميركية هذه المشاكل معتبرة ان القسم الاكبر من المساعدات الاميركية التي بلغت بلايين الدولارات ضاع بين سوء الادارة والفساد، وهو ما ادى الى انهيار كثير من الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه وشبكات الطرق، اضافة الى الخلافات المستمرة حول القوانين المتعلقة بتقاسم مداخيل النفط.

اين الصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وايران، وهو صراع يمتد الى ساحات اخرى في المنطقة، من الازمة الحالية في بغداد؟ لا شك في ان لطهران مصلحة في اعاقة الانسحاب الاميركي او اطالة امد المواجهة على الارض العراقية. اذا ان هذا يُشغل الاميركيين عن المواجهات في المواقع الاخرى ويزيد من الضغوط على ادارة اوباما التي سقطت في الامتحان الايراني. لكن السؤال يبقى عن مصلحة حلفاء طهران من العراقيين في استمرار وضع كهذا؟ لعل مبادرات التفاهم مع اياد علاوي، على خلفية تشبث نوري المالكي بمنصبه، تفتح الباب امام فرصة افضل للخروج من هذا المأزق العراقي.