أحمد عيسى


تصادف الاثنين المقبل الذكرى العشرون للغزو العراقي على الكويت، وبينما لا يزال كثيرون يتذكرون تفاصل ذلك اليوم، بصدمته ولوعته، هناك جيلان لا يحملان لهذا الحدث أي ذكرى، هما جيلان عراقيان وكويتيان ولدا منذ أن قرر صدام حسين احتلال الكويت 1990، وعليه فعلاقتهما بالغزو العراقي لا تتعدى كتب المدارس والأرشيف.

كلا الشعبين العراقي والكويتي عانى ويلات نظام العصابة الذي اختطفت الحكم في العراق بقيادة صدام حسين، بل ربما يكون الشعب العراقي تعرض لجور أكبر من نظيره الكويتي، كون علاقة الكويتيين بنظام صدام امتدت سبعة أشهر فصلت بين دخول أول جندي عراقي لبلادهم 2/8/1990 ودخول أول جندي من قوات التحالف التي شاركت في حرب التحرير 26/2/1991، بينما ترأس صدام حسين العراقيين منذ 1979 حتى 2003.

ما يعنينا اليوم المقاربات الكثيرة بين الشعبين، فهما يعانيان نفس الهم الطائفي والتقسيم الفئوي، وأيضا ربما تجسد ذلك في المشهد العراقي بشكل أكبر من قرينه الكويتي، كما يعانيان نفس عارض الجرعة السياسة المخلوطة بالدين والأخلاق، وتنامي دور السياسيين على حساب الحكومة، وحدّة الخطاب النيابي مقارنة بالخطاب الرسمي، خصوصا على صعيد العلاقات الثنائية.

في المساحة الفاصلة بين الرسميين يدخل السياسيون المتطرفون ليعكروا الأجواء، ويفرضوا حضورهم كحوائط صد تمنع التعامل المباشر، وعليه يصعب الدور الدبلوماسي ويتراجع أمام الخطاب التصعيدي، وهو ما يجب أن تتم معالجته بتكثيف الحوار المباشر.

لن نستطيع مسح التاريخ أو تغيير الجغرافيا، فالعراق بتاريخه أقدم من الكويت، ومساحته أوسع بأضعاف وحسبة السكان ترجح كفة جار الشمال، وفي المقابل التزم العراق بجملة استحقاقات دولية عليه تنفيذها وتفادي إعادة الأمور إلى المربع الأول في كل مرة تشهد فيها الجبهة توترا مفتعلا، فما يعنينا اليوم أن كلانا لا يملك سوى أن يتعامل مع الآخر، وليس أمامنا إلا الاحترام والاعتراف بالآخر كأساس للعلاقة بين العراق الجديد والكويت الجديدة، لأن الكويت بعد غزو صدام تغيرت عما كانت عليه قبل ذلك، مثلما هي الحال مع عراق ما بعد سقوط صدام.

علاقة العراق الجديد مع الكويت معقدة، وقد تكون غير مفهومة، فبينما كانت الكويت منطلق القوات الدولية لإسقاط نظامه السابق وتحريره من أكثر حقبه التاريخية سوادا، جاء الرد العراقي بضرورة إسقاط الديون كبادرة حسن جوار، وفيما صدرت لمصلحة الخطوط الجوية الكويتية أحكام قضائية على نظيرتها العراقية رأينا حكومة بغداد تقرر تصفية مؤسسة الطيران لتفادي تصفية التعويضات، بدلا من طي هذه الصفحة بملف التعويضات، إلى جانب تعطيل مسألة الكشف عن مصير الأسرى والمفقودين في العراق.

التعويضات المستحقة للكويت من جراء الغزو العراقي عليها أتت بقرارات دولية وأحكام قضائية نافذة، وتمثل فيها الطرفان خلال مناقشاتها عبر مكاتب محاماة وممثلين رسميين رفيعي المستوى، وكذلك الأمر مع مسألة الحدود والمنافذ البرية والبحرية والمزارع، ومن غير المقبول محاولات إعادة فتحها بعد مضي عقد من الزمن على حسمها.

إقليميا، تنتظر معادلة محوري الممانعة والاعتدال فصلا جديدا لتتغير على خلفية قرار محكمة الحريري، وعليه سيكون واضحا أي اتجاه ستسلكه حكومات دول المنطقة بالتعامل مع التوازنات الإقليمية الجديدة، وهنا سيتحتم علينا الاستعداد لحكومة عراقية جديدة، ومنهجية تعامل مختلفة مع النظام الإيراني، مثلما هو الوضع مع بقية الدول الفاعلة بالمنطقة، ومن بينها البرازيل وتركيا كونهما بدأتا بلعب دور إقليمي مهم في تقريب وجهات النظر حول الملف النووي الإيراني.

في ذكرى الغزو العراقي على الكويت، نستذكر دماء امتزجت على شوارع الكويت دفاعا عنها، مثلما نستذكر دماء عراقية امتزجت بسبب العمليات الانتحارية والإرهاب، وحتما لن نجد مناسبة أفضل لتنظيف الجراح من يوم الاثنين المقبل، بعد أن تركنا السياسيون يرشون الملح على جراحنا عقدين من الزمن كنا نصرخ فيهما على قدر الألم ولا نلمس أي تغيير عدا اتساع الهوة بيننا.