عبدالحميد الانصاري
ترى ما الرابط بين تصعيد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله وخطاباته الحماسية المتتالية وتوزيعه الاتهامات بالعمالة وتهديداته المبطنة في الفترة الأخيرة، وما يحصل في اليمن من تصاعد المعارك من جديد بين الحوثيين والقبائل اليمنية الموالية للحكومة وسقوط العشرات من القتلى والأسرى بعد أن تزود الحوثيون بالدبابات، وما حصل مؤخراً من انفجار في ناقلة نفط يابانية عملاقة في مضيق هرمز قبل أن ترسو بميناء الفجيرة، وما يحدث في الساحة العراقية من استعصاءات وتعقيدات تحول دون أن ترى الحكومة الجديدة النور رغم مرور عدة شهور على الانتخابات، وما يحصل في الصومال من اشتداد عود حركة الشباب المجاهدين وانشقاق عناصر من حرس الرئيس شريف شيخ أحمد وانضمامهم إليها؟!
إجابة هذا التساؤل الطويل ليست بعيدة عن تداعيات الملف النووي الإيراني والعقوبات الأوروبية الجديدة التي تم فرضها على إيران لتضاف إلى العقوبات الامريكية، وتشكلان أقوى حزمة عقوبات فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي ويمكن أن يشلا قدرة إيران على المناورة والتحرك في المجال الاقتصادي العالمي, العقوبات الأوروبية الجديدة وقد انضمت إليها كندا وأستراليا تصيب عصب الاقتصاد الإيراني في الصميم لأنها تستهدف قطاعي الطاقة والمصارف، ورغم تظاهر إيران وادعائها بأن العقوبات غير مؤثرة وأنها ستفشل إلا أن الواقع يشهد بخلاف ذلك.
يكفي أن نعلم مدى تأثير هذه العقوبات أنها بددت طموحات إيران في أن تصبح أحد المنتجين الرئيسيين للغاز الطبيعي, لا يستطيع أي مراقب أن يفصل أو يستبعد الحديث عن أجواء التوتر والقلق المخيمة على المنطقة عن تصاعد العقوبات الدولية على إيران، بل ان إيران صرحت بأن كل من يشارك في هذه العقوبات يعتبر عدواً للجمهورية الإسلامية, وقد اشتد غضب نجاد على روسيا عندما تحدث laquo;ميدفيديفraquo; الرئيس الروسي في سابقة علنية نادرة عن احتمال اقتراب إيران من صنع سلاح نووي, وبحسب تصريح خبير شؤون إيران في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فإن معظم القطاعات التي استهدفتها عقوبات الاتحاد الأوروبي هي قطاعات يملك الأوروبيون فيها قوة كبيرة ليس بمقدور كثير من الدول توفير ذلك النوع من الخدمات المالية التي ستتوقف, دول قليلة أخرى تقدم تكنلوجيا الغاز الطبيعي المسال وليس هناك أحد يقوم بخدمة إعادة التأمين, الاتحاد الدولي جاد هذه المرة في عقوباته، لكن إيران لازالت على وهمها القديم بأنها كلما صعّدت وسخنت المنطقة وأمدت الأطراف المتنازعة بالسلاح والمال استطاعت أن تقوي مركزها التفاوضي حول ملفها النووي, أجواء شديدة السخونة في المنطقة وبخاصة في لبنان والكل قلق ومتوتر هناك, وقد صرح المستشار السياسي للرئيس اللبناني مؤكداً وجود خطر حقيقي محدق بلبنان بسبب الأجواء المتشنجة وانعكاساتها على الأطراف السياسية المختلفة والتجاذبات الحاصلة بسبب القرار الظني المرتقب للمحكمة الدولية, لكن الأكثر قلقاً وتوتراً في لبنان هو حزب الله الذي خطب أمينه العام مرتين خلال 3 أيام محذراً ومنذراً.
ومصدر قلق الأمين العام يرجع إلى عاملين:
العامل الأول: القرار الظني المتوقع صدوره في سبتمبر القادم من قبل المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري والذي يظن الحزب أنه قد يطال بعض عناصره غير المنضبطة.
ورغم عدم صدور شيء مؤكد أو وجود أي معلومة تدين الحزب غير تسريب صحفي يتيم ورد في مجلة laquo;دير شيبغلraquo; الألمانية تضمن إشارة إلى وجود أدلة قوية جداً تدين الحزب بالمشاركة الفعلية في عملية الاغتيال, إلا أن الحزب يثير الفزع ويهدد ويتوعد ويخون ويصرح أمينه العام laquo;أن قرار المحكمة الظني كتب قبل التحقيق وأجل لأسباب سياسية وسيتهم عناصر من حزب الله ويستبعد سوريةraquo; وفي خطابه الثاني قال السيد حسن نصرالله: نحن من يتم تركيب التهمة لنا, وقد وصل حجم الفزع أن دعا الشيخ صبحي الطفيلي ndash; الأمين العام السابق للحزب ndash; سعد الحريري إلى laquo;موقف متسامحraquo; في موضوع القرار الظني للمحكمة, معتبراً أن laquo;صدور القرار الظني سيدخل لبنان نفقاً مظلماً لا يعلمه إلا الله ndash; والرئيس الأمريكي أوباما ndash; أين ومتى سيخرج منه، laquo;وناشد الطفيليraquo; أولياء الدم laquo;أي الحريريraquo;، بالقول laquo;تعلمون أن المؤسسات الدولية من مجلس الأمن والصليب الأحمر وحقوق الإنسان هي مؤسسات لخدمة الإمبراطورية الأمريكية.
وإذا كانت مصلحة أمريكا إخفاء القاتل فستفعل, وهي قادرة على ذلكraquo;، لا فتاً إلى أن laquo;موقفاً متسامحاً من أولياء الدم يقطع الطريق على الكثير من الآلام ويجهض الفتنةraquo;، وفي مؤتمر صحفي عقده في منزله، قال الطفيلي: إذا كان الاقتصاص من المدانين سيدخلنا في أتون الفتن وستذهب الكثير من الدماء وستحترق لبنان، فمن واجبنا طي صفحة الماضي والعفو عن القتلة وإلغاء المحكمةraquo;، وختم حديثه بالقول laquo;علينا أن نملك الشجاعة الكاملة للتضحية في سبيل الأمة لا في سبيل الأشخاصraquo;، هذا الموقف التشكيكي الارتيابي من المحكمة الدولية وقبل أن تعلن نتائج عملها, ما تفسيره؟! لماذا هذا الهجوم الشرس على المحكمة الدولية وحتى قبل صدور أي قرار بالإدانة أو الاتهام؟! لقد صرح تيار المستقبل وذلك لطمأنة حزب الله بأنه لن يقبل بقرار المحكمة في حال لم يبنَ على دلائل وقرائن قاطعة، فلماذا هذا الموقف التصعيدي من قبل حزب الله؟! هناك من يفسر الموقف على ضوء المثل العربي القديم laquo;يكاد المريب أن يقول خذونيraquo;، لكن الأقرب إلى القبول أن تصعيد الحزب ضد المحكمة وفي هذا الوقت بالذات مرتبط بمصير المحادثات حول الملف النووي الإيراني والعقوبات الجديدة المفروضة على إيران, بدليل أن عضو المكتب السياسي للحزب محمود قماطي قال: إنه إذا أدت المفاوضات مع إيران إلى نتائج ايجابية وتم التوصل إلى اتفاق ما حول الملف النووي الإيراني, يعود موضوع المحكمة الدولية وينام.
العامل الثاني: تصاعد الحديث مؤخراً عن تدفق الأسلحة على حزب الله, واتهام إسرائيل للحزب بأن عنده وثائق تؤكد أن حزب الله خزن 40 ألف صاروخ قرب جنوب لبنان منذ الحرب الأخيرة, وكشف الجيش الإسرائيلي في الذكرى الرابعة للحرب الإسرائيلية على لبنان هذه الوثائق، مؤكداً بأن حزب الله يستخدم المدنيين دروعاً بشرية, وهدد قائد الجبهة الغربية الإسرائيلي بأن الجيش سيواجه حرباً كهذه بكل قوة من خلال ضرب مواقع العدو في أحياء سكنية بما يعني أنها ستخلف ضحايا كثر بين المدنيين, وعرض في المؤتمر الصحفي أشرطة مصورة عن استعدادات الحزب للحرب وتحويله 160 قرية لبنانية مواقع عسكرية, ومؤخراً صرح ايهود باراك ndash; وزير الدفاع الإسرائيلي ndash; وقبيل زيارته للولايات المتحدة: إذا أطلق حزب الله الصواريخ على تل أبيب فإن الحكومة الإسرائلية سترد بضرب المؤسسات الحكومية اللبنانية, معتبراً أن تل أبيب لن تجري وراء عناصر حزب الله أو مطلقي الصواريخ فقط بل سيتم اعتبار الحكومة اللبنانية مسؤولة عما يحدث, وأضاف laquo;سيكون الأمر مغايراً لما حدث في 2006 عندما طالبتنا وزيرة الخارجية الأمريكية بعدم المساس بحكومة السنيورة وامتثلنا لذلكraquo;، وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات, فإن المرء يتساءل: لم الاستخفاف بحياة البشر؟! لماذا تكون حياة الناس رخيصة لدى الأحزاب الدينية المسلحة؟! الجماعات الإرهابية في كل مكان يفجرون بشراً أبرياء بل لا يتورعون عن تفجير مصلين في بيوت الله والجماعات الدينية المسيسة لا تأبه أيضاً بحياة المدنيين وتعرضهم لأخطار الحروب.
حماس بالأمس عرضت أرواح المدنيين لوحشية العدوان الإسرائيلي ولم تبال بحياتهم، وحزب الله بالأمس وعبر مغامرته غير المحسوبة لم يعمل أي اعتبار للدم اللبناني! ما أرخص دم الإنسان العربي والمسلم! قبل هؤلاء ضحى الثوريون بشعوبهم ولم يبالوا مطلقاً بدمائهم إذ زجوا بهم في معارك خاسرة على امتداد نصف قرن في سبيل لا شيء! هذه العقلية التي لا تؤمن بكرامة الإنسان ولا تبالي بقيمته, هي إفراز ثقافة موروثة ترى أن التضحية بالفرد في سبيل بقاء القائد أو الزعيم أمر مشروع وهذا ما عبر عنه الطفيلي في مقولته التي مرت, يكدسون الأسلحة في سرداب تحت مسجد أو مستشفى أو منزل سكني أو مصنع لحليب الأطفال ظناً أن ذلك خداع مشروع للعدو ولا يفكرون لحظة في مصير هؤلاء الأطفال والنساء والمدنيين الذين قد يكونون معرضين للأخطار, تقول هدى الحسيني laquo;لاحظ اللبنانيون أن اليونيفيل عندما تفتش عن السلاح تكتيف أن حزب الله جيب ضخم في حين أن الدولة اللبنانية غير قادرة على إرسال العدد المطلوب دولياً من جيشها, وصار مقاتلو الحزب أكثر تسليحاً وتدريباً على الأسلحة الجديدة التي وصلت خلال السنوات الأربع الأخيرةraquo;, السؤال: ما حاجة الحزب إلى كل هذه الأسلحة؟ الحزب ليس لحاجة إلى كل هذه الأسلحة للسيطرة على لبنان, فلا يبقى إلا أنها مرتبطة بالملف النووي الإيراني, والمسألة الإيرانية في مواجهة إسرائيل, أي أنها مسألة إيران لا لبنان, ولكن هل يكرر الحزب مغامرته مرة أخرى ويعرض لبنان للخطر؟ ما أرخص حياة البشر!
التعليقات