قدري حفني

لقد عرفت البشرية ظاهرة التحول العقائدي أي انتقال الأفراد بل و الجماعات من عقيدة لأخري منذ بداية تاريخ العقائدrlm;,

rlm; لا تستثني من ذلك عقيدة واحدة سواء كانت سماوية أو دنيويةrlm;.rlm; و من هذه التحولات ما جري اختيارا باعتبار أن العقيدة الجديدة أكثر ملائمة لاحتياجات المرء العقلية و الانفعاليةrlm;,rlm; و أنهاrlm;-rlm; من وجهة نظر المتحول إليهاrlm;-rlm; أكثر صوابا واستقامةrlm;,rlm; و قد يتبين له و لو بعد حينrlm;,rlm; أنه اتخذ قرارا خاطئا فيتراجع عنه عائدا إلي عقيدته القديمة أو إلي عقيدة أخري غير الاثنتين أو موليا ظهره للعقائد جميعاrlm;.rlm; و إلي جانب تلك التحولات الاختياريةrlm;;rlm; فثمة تحولات عقائدية جرت إجبارا أو إغواء أو غوايةrlm;.rlm;
مثل تلك التحولات تجري علي قدم و ساق في بلدان العالم جميعاrlm;,rlm; و منذ فجر التاريخ حتي يومنا هذاrlm;,rlm; دون أن تثير لدي الجماهير العادية للجماعةrlm;'rlm; المهجورةrlm;'rlm; غضبا يصل إلي حد العنف المدمر و إن لم تكن بطبيعة الحال تلقي ترحيبا صاخبا من قبل الجماعة الجديدةrlm;.rlm;
تري لماذا يرفض أبناء العقائد الدينية خاصة في بلادنا التسليم بإمكانية أن يقدم فرد علي التحول من عقيدة لأخريrlm;,rlm; رغم تقلص ظاهرة إعدام المرتدين عن الإسلام إلي حد كبير من الناحية العمليةrlm;,rlm; و رغم اندثار ظاهرة تعذيب و حرق المهرطقين التي عرفتها أوروبا في العصور الوسطي؟ و لماذا ما زلنا في بلادنا نر الجماعات الدينية علي اختلافها تحس بالإهانة و الجرح إذا ما تركها أحد أبنائها متوجها إلي جماعة دينية أخري أو أولي ظهره للعقائد الدينية جميعا؟
لقد ترددت علي أسماعنا كثيرا في السنوات الأخيرة عبارة أن شخصا قد تم اختطافه حيث أجبر علي تغيير عقيدتهrlm;.rlm; لقد كنا في زماننا حين نسمع أن فلانا قد اختطف نفهم أن المختطفين قد رصدوا تحركاته و حين واتتهم الفرصة قيدوه ودفعوه إلي سيارة و انطلقوا به إلي حيث يجبرونه علي توقيع أوراق أو اعترافات أو ما إلي ذلكrlm;.rlm; و لا يستقيم هذا التصور فيما يتعلق بتغيير العقائدrlm;,rlm; و لعل التعبير الصحيح هو أن صاحبنا قد جري إغراؤه أو غوايته لتغيير عقيدتهrlm;.rlm; و الغواية إنما تعني تزيين الهدف المقصود بحيث يصبح أكثر إقناعا حتي لو كان الاتجاه صوبه يحمل الكثير من المخاطرrlm;;rlm; كما أن الإغراء يعني تقديم بديل أكثر جاذبية بحيث يقدم المرء علي أن يولي ظهره لما كان عليه متجها نحو ما يغريهrlm;,rlm; و لعل أشهر وسائل الإغراء تتمثل في الجنس و المالrlm;.rlm;
و رب من يتساءلrlm;:rlm; إن من يستخدمون تعبيرrlm;'rlm; الاختطافrlm;'rlm; من الناطقين بالعربية بل و العارفين بمرامي الألفاظ ومعانيهاrlm;,rlm; و هم يعرفون يقينا أن اختطافا بهذا المعني لم يحدث قط حتي وفقا لسردهم لتفاصيل ما جريrlm;,rlm; تري لماذا إذن نحجم عن استخدام التعبير الصحيح؟
إن السبب ببساطة هو أن الغواية أو الإغواء عبث بالعقل أو العواطف أو بهما معاrlm;,rlm; و من ثم فإن المرء الذي تمت غوايته أو إغراؤه إنما أقدم في النهاية علي اتخاذ القرارrlm;'rlm; الخاطئrlm;'rlm; بمحض إرادتهrlm;.rlm; و بالتالي فإن القول بأن شخصا قد أمكن غوايته أو إغواؤه بحيث أقدم علي تغيير عقيدته إنما يعني أحد احتمالينrlm;:rlm; الاحتمال الأول أن تلك العقيدة قابلة للتفنيد بشكل أو بآخرrlm;;rlm; و الاحتمال الثاني هو أن من أتباع هذه العقيدة من يقدم علي التخلي عنها تحت إغراء ملذات حسية دنيويةrlm;,rlm; مما يشكك في قدرة تلك العقيدة علي إشباع الاحتياجات الانفعالية و العقلية لأتباعهاrlm;.rlm; و كلا الاحتمالين يحمل شبهة تعريض بالعقيدة يرفضه أتباعهاrlm;;rlm; و الأفضل إذن أن يقال أن فلانا قد اختطف فأصبح مجبرا علي فعل و قول ما يمليه عليه خاطفوهrlm;;rlm; و من ثم فبمجرد تحرره و استعادته إرادته فسوف يعود فورا إلي عقيدته الصحيحةrlm;.rlm; و رغم ما يبدو للوهلة الأولي من أن تعبيرrlm;'rlm;الاختطافrlm;'rlm; قد يكون أقل وطأة من تعبيرrlm;'rlm; الإغواءrlm;'rlm; أوrlm;'rlm; الغوايةrlm;'rlm; من حيث شبهة التعريض بالعقيدةrlm;,rlm; إلا أنه لا ينفي ذلك التعريض تماماrlm;;rlm; فالصورة النموذجية للمؤمن الحق في كافة العقائد هو ذلك الذي لا يثنيه ألم أو تهديد عن التمسك بعقيدته حتي لو قدم حياته فداء لهاrlm;,rlm; و لذلك فإنه لا يخلو تاريخ عقيدة من العقائد من قائمة من الشهداء تقدم تأكيدا عمليا علي ذلكrlm;.rlm;
خلاصة القول إذن أن من يقدم علي التخلي عن عقيدته إجبارا أو إغواء أو إغراء هو في النهاية ليس بالمؤمن المثالي الذي يستحق فخر أبناء عقيدته الأولي التي أولاها ظهره بثمن مهما كان فهو ثمن بخسrlm;;rlm; و هو كذلك لا يستحق ترحيبا من أبناء عقيدته الجديدة التي توجه إليها طالما أن اختياره لها لم يكن نابعا من اقتناع حقيقيrlm;.rlm;
لقد جري تعميم تعبيرrlm;'rlm; الاختطافrlm;'rlm; بحيث أصبح يشمل أي واقعةrlm;'rlm; اختفاءrlm;'rlm; خاصة إذا ما كان المختفي أو المختفية من المنتمين للجماعة المسيحيةrlm;,rlm; و يزداد الإلحاح علي تصوير ما قد يكون مجرد اختفاء طوعي باعتباره اختطافاrlm;,rlm; إذا ما كانتrlm;'rlm; المختفيةrlm;'rlm; زوجة لكاهنrlm;.rlm; و لعله مما يستوقف النظر أنrlm;'rlm; المختطفةrlm;'rlm; تظل محتجبة عنا حتي بعدrlm;'rlm; تحريرهاrlm;'rlm; كما لو كان قد تم اختطافها من جديدrlm;.rlm; إن واحدة من هؤلاءrlm;'rlm; المختطفاتrlm;'rlm; لم تظهر إعلاميا بعد فك وثاقها لتعلن عن أسماء من اختطفوهاrlm;,rlm; أو حتي لتعلن عمن أغووها أو هددوها أو منrlm;'rlm; لعبوا بعقلهاrlm;',rlm; أو علي الأقل أن تعلن أنه قد استبان لها الطريق الصحيح موضحة الأسباب التي دفعتها لفعل ما فعلتهrlm;,rlm; و فضلا عن ذلك فإن أحدا لا يقدم اعتذارا لأحد عما حدثrlm;.rlm;
تري هل يرجع الأمر إلي طبيعة التنشئة الاجتماعية في بلادنا؟ أم إلي طبيعة المناخ الدولي والإقليمي المحبط بنا؟ و هل الأمر قاصر في بلادنا علي أبناء عقيدة دون أخري؟ و هل تخرج دعاوي التكفير و اتهامات التنصير عن ذلك السياق؟ و هل الأمر مقصور علي الجماعات الدينية أم يشمل غيرها الجماعات الفكرية و السياسية أيضا؟ لعلنا نستطيع محاولة الاقتراب من فهم ذلك في مقال قادمrlm;.rlm;