علي عبيد
ونحن على مشارف الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، يتراءى لنا أن العلاقة بين الإسلام والغرب ما زالت ملتبسة، بل إنها تزداد احتقاناً، خاصة في منطقة الحدث التي يبدو أنها مرشحة لاشتباك يصعب فضه كلما اقترب موعد الذكرى.
ففي الوقت الذي دعا فيه القس laquo;تيري جونزraquo;، المشرف على كنيسة laquo;دوف التبشيريةraquo; المحلية في فلوريدا، إلى تنظيم حملة لحرق المصاحف حول العالم يوم الحادي عشر من سبتمبر المقبل، رد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية laquo;كيرraquo; بالتصدي لهذه الدعوة، من خلال تنظيم يوم توزع فيه 100 ألف نسخة من القرآن الكريم على الناس، لحضهم على التعرف إلى الإسلام وتعاليمه.
كما أدان مجمع الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة دعوة القس laquo;تيري جونزraquo;، وحضه على إلغاء مشروعه، وحذره من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توترات كبيرة بين المسلمين والمسيحيين حول العالم.
دعوة laquo;تيري جونزraquo; ليست وحدها التي تشعل فتيل الأزمة في نيويورك هذه الأيام، فقد جاءت موافقة هيئة المرور في المدينة على إعلان مثير للجدل سيتم تثبيته على معظم الحافلات في المدينة، لتصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة.
حيث يظهر في الإعلان مسجد تمر بقربه طائرة مدنية تتوجه بمن عليها من ركاب كالقذيفة، إلى ما كان أعلى ناطحات السحاب الأميركية قبل أن يتهاوى محترقاً، من خلال أربع صور توضح مراحل تدمير برجي المركز الشهير، في جزء من حملة عامة تقوم بها إحدى المنظمات الأميركية، للتحذير من laquo;أسلمةraquo; الولايات المتحدة.
هذه الحملة تأتي رداً على موافقة لجنة الحفاظ على المعالم في نيويورك، لجمعية laquo;بيت قرطبةraquo; على بناء مسجد ومركز ثقافي في مكان قريب من موقع laquo;غراوند زيروraquo;، حيث ما زال بعض أطلال البرج المنهار بادياً للعيان.
هذا المشروع الذي دافع عنه الرئيس الأميركي laquo;باراك أوباماraquo; يوم الجمعة الماضي خلال إفطار جماعي في البيت الأبيض، أثار جدلاً ليس فقط بين أقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر الذين رفضوا الفكرة، وإنما بين المسلمين الذين انقسموا بين مؤيدين للفكرة ومعارضين لها، من بينهم بعض علماء الأزهر الذين رأوا فيه اتجاهاً نحو الربط بين تلك الأحداث والإسلام، حيث سيتحول المسجد إلى منشّط للذاكرة الأميركية التي قد تنسى مع مرور الوقت ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
هذه الأحداث وغيرها تطرح من جديد العلاقة الملتبسة بين الغرب والإسلام، وتعيد إلى الأذهان نظرية laquo;صدام الحضاراتraquo; التي تحدث عنها المفكر الأميركي laquo;صاموئيل هنتنغتونraquo;، في كتابه الشهير laquo;صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالميraquo;، عندما تنبأ بأن يكون القرن الحادي والعشرون قرن الصراع بين الحضارات لا الدول.
وأن المحرك الرئيسي لهذه الصراعات هو الخلافات الحضارية المتمثلة في الثقافة والدين والعادات والتقاليد، وأن أكبر خطر يتهدد الحضارة الغربية يتمثل في الحضارتين الصينية الكونفوشيوسية والإسلامية.
laquo;هنتنغتونraquo; الذي توفي أواخر عام 2008، اعترف قبل وفاته في حديث لمجلة laquo;لوبوانraquo; الفرنسية، بأن الغرب لن يستطيع أبداً السيطرة على العالم كما حدث عقب الحرب العالمية الأولى، وأن الحضارة الإسلامية على وجه الخصوص أصبحت تشكل تكتلاً أيديولوجياً، سيجبر الغرب على التخلي عن أي طموحات في تعميم فكره وقيمه على العالم.
التركيز على الدين لا الأيديولوجيا كمصدر للصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة، أصبح أكثر حضوراً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكاد يحصر الصراع بين الإسلام والغرب، ليس على مستوى الدول فقط، وإنما على مستوى الأفراد أيضاً. نرى هذا في حربي أفغانستان والعراق اللتين تم ربطهما بهذا الهجمات، حتى لو بدت الدوافع لشن الحرب على العراق واحتلاله مختلفة.
هذا على مستوى الدول، أما على مستوى الأفراد فنراه في حوادث أصبحت تتكرر في كثير من الدول الغربية، منها على سبيل المثال لا الحصر حادث مقتل الصيدلانية المصرية laquo;مروة الشربينيraquo; على يد الألماني laquo;أليكس فينزraquo; داخل محكمة في مدينة laquo;دريسدنraquo; الألمانية، عندما قام بتسديد 18 طعنة إليها بعدما وصفها بالإرهابية لارتدائها الحجاب وحاول نزع حجابها، الأمر الذي أدى إلى موجة غضب عارمة في عدد من الدول الإسلامية، حتى النصب التذكاري الذي أقيم في المدينة الألمانية لتخليد ذكراها لم يسلم من التخريب.
وفي أواخر شهر يوليو الماضي حكم قاض بريطاني بسجن صبيين في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر، لتخصصهما في الاعتداء ضرباً على مسلمين مسنين في العاصمة البريطانية، وتحديداً أمام المساجد.
ولم يكتفيا بذلك، بل قاما بتصوير اعتداءاتهما بواسطة الهاتف النقال للتباهي بها وسط أقرانهما، وقد ظهرا في أحد المقاطع يعتديان بوحشية على بريطاني مسلم يبلغ من العمر 67 عاماً، أثناء جلوسه أمام باب مسجد في لندن برفقة حفيدته البالغة من العمر 3 سنوات، وهو اعتداء أفضى إلى وفاة المسن بينما كانت حفيدته ترتمي في حضنه.
هذا هو الجانب الذي يظهر لنا من الصورة على الضفة التي نقف عليها من النهر، ولو انتقلنا إلى الضفة الأخرى لرأينا الصورة المقابلة لها من الجانب الآخر والتي لا تقل عنها احتقاناً، الأمر الذي يدعونا إلى البحث عن جذور هذا الاحتقان الذي وصل إلى عقول المراهقين وليس الكبار فقط، كما يدعونا إلى مواجهة أنفسنا قبل إلقاء اللوم على الآخرين.
البحث عن جذور هذا الاحتقان سيقودنا بالطبع إلى فئة متطرفة من كلا الطرفين، كان لها دور في تحويل القضية كلها إلى صدام حضارات وأديان أدخلنا في هذا النفق المظلم الذي نحن محاصرون فيه اليوم، حيث يبدو أن الخروج منه أصبح مهمة تحتاج إلى جهود المعسكرين، وربما تستغرق من الوقت أكثر مما نتصور أو نعتقد أو نتمنى.
التعليقات