عبدالله السويجي

ثمة ما يحدث أو سيحدث في المنطقة العربية، ولا سيما في الموضوعين اللبناني والفلسطيني بشكل رئيس، والموضوع الإيراني الأمريكي الصهيوني بشكل استتباعي، فنشاط الدبلوماسية الإيرانية المكثف باتجاه لبنان وسوريا خلال الأسبوع الماضي، الذي جاء عقب زيارة الملك السعودي والرئيس السوري والأمير القطري إلى لبنان أيضاً، وقيام السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بما يشبه الدفاع عن حزبه خلال مؤتمر صحافي طويل، قدم فيه قرائن تتهم الكيان الصهيوني بمقتل رفيق الحريري، وانقسام الساحة اللبنانية بشأن تلك القرائن، وزيارات ميتشل إلى الأراضي الفلسطينية ولقائه بمسؤولين صهاينة، ثم زيارة مسؤولين صهاينة لمصر واجتماعهم مع الرئيس المصري، كل ذلك يشي بأمر ما يُطبخ أو يجرى التحضير له .

ويبدو أن الساحتين اللبنانية والفلسطينية، أو المسارين إن صح التعبير، لا ينفصلان أبداً، كما يبدو أن قضية اتهام عناصر من حزب الله باغتيال رفيق الحريري، ودخول إيران على خط النقاش والمواجهة الكلامية، ووصفها المحكمة الخاصة برفيق الحريري بأنها صهيونية، لا ينفصل عن التسخين الحاصل في لبنان، وفي الأراضي الفلسطينية . إضافة إلى ذلك، يمكن طرح التقارب السوري السعودي، وعمل الطرفين معاً على الساحة اللبنانية لتحقيق التهدئة ومنع الفتنة، وما يمكن أن ينعكس هذا التقارب على التحالف السوري الإيراني أيضاً، وهو ما تخشاه إيران، ويقال إن الصدام بين الجيش اللبناني والجيش الصهيوني في المنطقة الحدودية كان بتحريض إيران وتوقيتها، لإرسال رسالة إلى السعودية وسوريا، أنها لا تزال اللاعب رقم واحد، وصاحبة النفوذ في المعادلة اللبنانية، وصمام الأمان الذي يتحكم بالحالة الأمنية اللبنانية الداخلية، أو بحالة المواجهة العسكرية في جنوب لبنان .

وعلى الصعيد الفلسطيني، لا يزال الرئيس الفلسطيني يصر ويرفض الذهاب إلى المفاوضات المباشرة لبحث الوضع النهائي في الأراضي الفلسطينية، إذا لم تتحقق شروطه .

ومما لا شك فيه، أن التحالف السوري الإيراني قد يشهد في الفترة القادمة اختباراً خطيراً، في ضوء المساعي لسحب سوريا من هذا التحالف، وهي مساع سعودية وأمريكية وتركية، وذلك مقابل استعادة سوريا نفوذها في لبنان، وهو أمر يشكل أهمية استراتيجية لدمشق، كما تعتبره حقاً تاريخياً واستحقاقاً أمنياً، من جراء اختراق الساحة اللبنانية المتزايد من قبل الاستخبارات الصهيونية . وكما يبدو، فقد طويت صفحة العداء بين قوى الرابع عشر من مارس/ آذار وسوريا، بعد أن وصلت إلى نقطة، كان يعتقدها البعض، نقطة اللاعودة، وهذا نتيجة للمراهقة السياسية التي تمارسها بعض القوى على الساحة اللبنانية، التي لا تدرك أن لا عداء تاماً ولا تحالف أبدياً في العمل السياسي، وهكذا، وكما قال وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الاعتراف بالخطأ فضيلة، على الرغم من أن هذا لا يدخل في العمل السياسي الاحترافي، لأن بعض الأخطاء مميتة وقاتلة .

وما يجب ذكره أن نجاح إبعاد سوريا عن تحالفها مع إيران، يعني تقارباً سورياً أمريكياً بشأن العراق أيضاً، وابتعاداً عن القضية الفلسطينية، فهل تحبذ سوريا استعادة موقعها في لبنان، على التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية؟

أما بالنسبة للساحة اللبنانية، فمن الواضح أن الأمور ليست كما تبدو في وسائل الإعلام، فحزب الله قد يعيش في مأزق حالياً، على الرغم من طلب مكتب المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري القرائن التي قدمها، وذلك عن طريق الحكومة اللبنانية، إذ قد تنظر المحكمة في (القرائن) ثم تهملها، وقد تأخذها على محمل الجد، وتطلب التحقيق مع جهات ومسؤولين صهاينة، وهو أمر مستبعد لأسباب كثيرة يأتي على رأسها، اتهام الكيان الصهيوني وتبرئة ساحة سوريا وحزب الله، أي تغيير مسار التحقيق جذرياً، وهذا قد لا يتم قانونياً أو سياسياً، فمن المعروف أن في هذا النوع من القضايا، تتداخل السياسة بالقانون، وتتحول المسألة إلى صراع مصالح وتوزيع نفوذ، وفي أحسن الأحوال، قد تقفل القضية لعدم توفر الأدلة .

وعودة إلى الموضوع، فإن حزب الله، الذي يتهم بأنه يسير وفق ldquo;الأجندةrdquo; الإيرانية، واقع بين نارين، نار الاستحقاق الداخلي اللبناني، ونار الاستحقاق الإيراني الأمريكي، إذا ما نظرنا إلى أزمة تشكيل الحكومة العراقية ودور إيران في تعثر التشكيل وأزمة الملف النووي .

هنالك حركة مساومة في المنطقة، وليست حركة دبلوماسية ناعمة تدعو للتهدئة . سوريا تساوم على موقعها في لبنان، وهذا قد يتصادم مع مصالح إيران ونفوذ حزب الله، وسوريا وحدها هي القادرة على تقليم أظافر الحزب، وهي ldquo;المايستروrdquo; الحقيقي للوضع الأمني في لبنان، كما تساوم إيران على دورها في العراق، وهو ما قد يتضارب مع حزب الله، وذلك حين تمنعه من الرد على التحرشات العسكرية الصهيونية . وفي المسار الثاني، يشكو محمود عباس من ضغوط تفوق قدرته على الاحتمال، للدخول في مفاوضات الحل النهائي، والضغوط التي عبر عنها غير مرئية حتى الآن، ولكنها ترتبط بوجوده في الرئاسة، والمساعدات العربية والعالمية، وإشهار سيف غزة أيضاً، وفي كل الأحوال، فإن الورقة الفلسطينية باتت ضعيفة عربياً، كما هي الورقة العربية التي باتت ضعيفة فلسطينياً .

إن التحركات الدبلوماسية العربية، كما يبدو، لم تأت بمبادرة عربية، وإنما بإيحاء من جهات تسعى لأن تكون جبهة الجنوب اللبناني هادئة في هذه الفترة، ربما للتحضير لأمر معين في إطار الخلاف الأمريكي الإيراني، وإذا ما قررت الولايات المتحدة الأمريكية توجيه ضربة عسكرية لإيران بالتعاون مع الكيان الصهيوني، فإن جبهة الجنوب اللبناني يجب أن تكون هادئة، وإلا أصبح الكيان تحت نيران إيران وحزب الله في آن، وربما تنضم جبهة غزة أيضاً، على الرغم من ضعفها استراتيجياً، إلا أنها ستجبر الكيان على وضع حشود برية على القطاع، وهو ما سيضعف الجبهة الشمالية .

لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث، والأخبار التي ترد في وسائل الإعلام مضللة إلى حد كبير، فما يقال عكس الحقيقة تماماً، ولهذا فإن فترة ما بعد شهر رمضان ستكون حاسمة في الموضوع اللبناني الصهيوني، وفي التحالف السوري الإيراني، وفي المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والصهاينة، والنتائج تكاد تكون معروفة، طالما أن العرب يتمسكون بخيار السلام .