زين الشامي


ما قدمه الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصر الله من قرائن وlaquo;أدلةraquo; عن تورط إسرائيلي مفترض في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يجب أن تأخذه المحكمة الدولية الخاصة في لبنان على محمل الجد، وتتابعه بعناية فائقة جنائياً وسياسياً، ليس لأن ما أتى به السيد نصر الله في غاية الأهمية من الناحية الجنائية، أو لأنه حاسم بقدر ما هي إسرائيل، كطرف إقليمي ولاعب أساسي في المنطقة، ودولة لها تاريخ عريق في مجال الاغتيالات السياسية، يستدعي أن تأخذه المحكمة في عين الاعتبار.
ان ما قدمه السيد نصر الله ربما يستدعي أن تقوم إسرائيل وأجهزتها الاستخبارية بتقديم ما لديها من وثائق ومعلومات عن الجريمة تنفي عن نفسها التهمة، لكن كل التقارير السابقة حول تعاون إسرائيل مع المحكمة الدولية تقول انها لم تتعاون بالشكل المطلوب، ولا أحد يعلم إلى اليوم ما الأسباب وراء ذلك لأن كل التحليلات السياسية تقول، إنها مضت في اتجاه يبرئ إسرائيل من الجريمة، وهذا كان مستغرباً جنائياً، بمعنى أن المحكمة الدولية ما كان لها أن تسقط ذلك من حساباتها، رغم كل ما قيل عن دور إقليمي مفترض لهذه الدولة أو تلك، أو لهذه الجماعة الحزبية أو الدينية وغيرها.
أيضاً فإن ما قدمه السيد نصر الله لا يشكل أدلة دامغة جنائياً، فإن ما تقوم به طائرات استطلاع إسرائيلية بالتحليق فوق لبنان وتتبع مسار موكب الرئيس الحريري لا يعني أن الغاية من وراء ذلك التحضير لعملية اغتياله، فمن المعروف لنا جميعاً أن هذا السلوك الإسرائيلي ليس جديداً ونعتقد أن كل المسؤولين اللبنانيين، بدءاً من الرئيس نفسه وانتهاء بأي وزير أو شخصية سياسية أو حزبية، هم تحت رقابة عملاء إسرائيل وطائرات التجسس الاسرائيلية، ليس اليوم فقط، بل في السابق وحتى اشعار آخر.
وللعلم فإن الطائرات الإسرائيلية لا تراقب أو تتجسس على المسؤولين اللبنانيين فقط، بل نحن نعرف أن السماء السورية تتعرض لمثل هذه الاستفزازات بين الفينة والأخرى، وأن إسرائيل دائماً ترسل بالونات تجسس إلى المواقع العسكرية السورية تحمل كاميرات تصوير، وغالباً ما يقوم الجيش السوري باكتشافها هنا وهناك. ان ذلك ليس بجديد على إسرائيل، وهو ليس بجديد على الدول التي تعيش حالة من اللا حرب واللا سلم.
من ناحيتنا كعرب وسوريين ولبنانيين، وسنّة وشيعة ومسيحيين أيضاً، سنكون سعداء جداً فيما لو كانت إسرائيل وراء الجريمة، يكفي فقط أن ذلك سيزيل من على كاهل الشخصية الوطنية السورية عبئاً كبيراً، رغم ان الشعب السوري ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بكل سياسات وممارسات النظام السياسي وأجهزة الاستخبارات الكثيرة، ان النفسية السورية عانت كثيراً خلال الخمسة أعوام المنصرمة جراء أصابع الاتهام التي وجهت إلى دمشق بالوقوف وراء اغتيال الحريري، لقد شعرنا كسوريين أننا جميعاً في دائرة الاتهام، وبتنا أحياناً أهدافاً لبعض الممارسات العنصرية من بعض الاشقاء اللبنانيين، نقصد أن بعض السوريين دفعوا كبيراً وغالياً جراء ذلك الاتهام، فمنهم من قتل في لبنان، ومنهم من خسر عمله، ومنهم من خسر مالاً وعملاً، ولقد كان على السوري العادي أن يبرر شيئاً ليس له علاقة به لا من قريب ولا من بعيد، وجريمة مروعة ليس لأي مواطن سوري عاقل وبسيط أي مصلحة في حصولها.
من ناحية أخرى، ندرك ونعرف تماماً حجم الضرر الاجتماعي بين الشعبين السوري واللبناني جراء الجريمة، وهو بالمناسبة لم يكن ضرراً اجتماعياً أصاب الشعبين، بل كان ضرراً اقتصادياً وثقافياً، وتسبب في شروخات عميقة تحتاج إلى زمن وأعوام طويلة حتى تندمل. هذا لا يعني غياب الصوت العاقل من كلا البلدين، على العكس تماماً، هناك من دفع في لبنان وفي سورية ثمناً باهظاً لمجرد المطالبة بالعقلانية وتغليب صوت المنطق والتمييز بين الشعبين والمواطنين عما يجري في السياسة. لقد دفع الصحافي سمير قصير من لبنان وغيره دمهم ثمناً لذلك، ودفعت شخصيات سورية مثقفة أعواما من عمرها سجناً لمجرد مناداتها باعادة قراءة هذه العلاقة والتمييز بين الطبقة السياسية وما بين الشعبين والمواطنين اللبنانيين والسوريين الذين يرتبطون بأعز واقدم الوثائق على مدار أعوام التاريخ.
لنا جميعا مصلحة كسوريين ولبنانيين وسنّة وشيعة ومسيحيين وعرب في أن تكون إسرائيل وراء هذه الجريمة... لكن ما نتمناه شيء وما ستقوله المحكمة الدولية الخاصة في لبنان شيء آخر، أيضاً فإن ما قدمه السيد حسن نصر الله شيء يبقى صحيحاً ومهماً بانتظار أن تقول المحكمة كلمتها الأخيرة وتقدم أدلتها الجنائية التي لا يرقى إليها الشك.