محمد علي باناجه

الآن نأتي إلى أم الأحاجي التي تواجهها واشنطن بالمنطقة، أحجية دورها في التسوية النهائية للموضوع الفلسطيني، وهو دور لا تملك ترف التخلّي عنه، لأنها ثاني المتضررين من بقاء المسألة معلّقة بعد الفلسطيني العادي (أي الذي لا يستثمر القضية سياسيًّا لمآربه)، ولأن طرفي النزاع يعنيها أمرهما. عدا واشنطن والفلسطيني العادي لا أحد متأذٍ حقيقة من بقاء القضية بلا حل! وعلامة الدهشة هذه في محلها، لأن متابع إعلام وأحاديث هذا الإقليم من خارجه سيظن بأن لا شيء يقض مضاجعه، ولا مشكلة تواجهه عداها، ولو كان هذا الظن صحيحًا لحُلّت القضية منذ عقود، بقاؤها على حالها دليل على أن لا أحد متأذٍ، ومعنيٍّ حقيقة بإيجاد خاتمة لها، أمّا الاثنان المتأذّيان فليس لهما إلى الحل سبيلا، كل منهما لأسبابه.
تتلخص الورطة الأمريكية في أن واشنطن مضطرة لدفع الطرفين (أو الأطراف) إلى تسوية لا تملك أدوات الدفع إليها، حتى بافتراض أن لها تصوّرًا لما يجب أن تكون التسوية عليه، وهو فرض أشك في صحته، لا تستطيع فرض تصوّرها على أحد، انسوا تمامًا أنها قد تضغط على إسرائيل؛ لأنها لن تفعل، توزيع القوى السياسية فيها لا يتيح ذلك لأي إدارة وإن أرادته. هذا الدور الأمريكي لا تريده إسرائيل، وفي نفس الوقت لا تخشاه، ولذلك لا مانع لديها إن حاولته واشنطن، واقع الأمر أن مَن يريده ويطلبه هم العرب، على أمل أن ينجح الساحر الأمريكي في إقناع إسرائيل بتسوية على شروطهم! (علامة تعجب واحدة لا تكفي في هذا السياق، ضع ما يعن لك منها)، ولا أعرف إن كانت واشنطن ساحرًا أم لا، لكنى متأكد إن كانت كذلك فإن سحرها عديم المفعول ضد إسرائيل. أظننى شرحت الورطة بوضوح.. هذا نزاع لا أحد متضرر من خلوده، إسرائيل ليست فقط غير متضررة، بل مستفيدة، والمتضرران الفلسطيني والأمريكي، أحدهما مهمَل لا يقيم أحد وزنًا لمعاناته رغم التصايح، لأنه تصايح استغلال لا تصايح عناية، والآخر لا سبيل أمامه لرفع الضرر الواقع عليه، وهو على أي حال ضرر محتمل يستطيع التعايش معه على عكس حال المتضرر الأول.
بقيت كلمة أخيرة خارج الموضوع الأمريكي وعلى حواشيه.. الحق والعدل مفاهيم نسبية، لكل فرد وجماعة مفاهيمه (ومفاهيمها) لما هو حق وعدل، الحق والعدل اللذان ينتظم بهما الكون على المرء ألاّ يدّعي بأنه يعرفهما. غالبية حجج العرب في هذه القضية إذا تحدّثوا بها على الملأ تتضمن الحق والعدل بمعاييرهم، وكما يعرفونه، وللآخرين معاييرهم ورؤاهم. الحق والعدل على المستوى الإنساني لا يريان إلاّ من خلال قانون، لا أحد يعرف بيقين ما هو حق، وما هو عدل بالإطلاق، بينما يستطيع كل وأي إنسان أن يعرف تمام العلم ما هو قانوني، وما هو غير قانوني، ولا يوجد إلى الآن ما يمكن أن نسمّيه قانونًا دوليًّا.