القاهرة - محمد عبدالحي
الداعية الأميركي د. شيرمان جاكسون أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة ميتشغان، أحد المسلمين السود في الولايات المتحدة ومن الشخصيات ذات التأثير الكبير في العمل الإسلامي داخل المجتمع الأميركي. له العديد من الدراسات حول الإسلام والمجتمع الأميركي لعل أهمها ما كتبه بعنوان 'الاستشراق الأسود'. 'الجريدة' التقته أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة للتعرف من خلاله على المجتمع المسلم وعلاقته بالداخل الأميركي، وهل وصل المسلمون إلى حالة من الاندماج الكامل في الولايات المتحدة، وما تأثير المسلمين السود على المجتمع بشكل عام وعلاقتهم بغيرهم من المسلمين داخل الولايات المتحدة، وما هو المستقبل المتوقع للإسلام والمسلمين في الساحة الأميركية، وغير ذلك من القضايا التي نثيرها معه في ثنايا الحوار.
● يتحدث الكثيرون عن ضرورة اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، فماذا يعني الاندماج الكامل في المجتمع بالنسبة للمسلمين الأميركيين؟
ـ جميع الأميركيين بمن فيهم المسلمون مندمجون في النظام السياسي الاقتصادي للمجتمع الأميركي، وطبقاً للحقوق المدنية من حقنا أن نعيش كما نختار خصوصاً أن المجتمع الأميركي ليست به ثقافة واحدة، فالمسألة ليست هويتين laquo;إسلامraquo; وraquo;أميركاraquo;. وتاريخياً استوعب الإسلام الثقافات الأصلية، فالمسلمون مندمجون في الواقع الأميركي ويتعاملون معه كمواطنين أميركان لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات.
● هل معنى ذلك أن المسلمين استطاعوا تضييق الفجوة بينهم وبين المجتمع الأميركي التي شهدتها السنوات الماضية؟
ـ ليس بالمعنى الكامل لأن ما خلفته ولايتا الرئيس الأميركي السابق من مشكلات بين المسلمين والمجتمع الأميركي لا يمكن أن ينتهي، بمجرد فترة قليلة من وجود رئيس جديد مثل أوباما يسعى إلى كسب احترام المسلمين وصهرهم بقوة داخل المجتمع الأميركي، ولكن يمكن القول إن المسلمين في الولايات المتحدة قادرون في ظل الظروف الحالية على ردم الفجوة القائمة بين الإسلام والمجتمع الأميركي، وإنني أفضل استخدام عبارة المسلمين الأميركيين بدلاً من عبارة المسلمين في أميركا، لأن الأخيرة تعني أنهم ليسوا مواطنين بالمعنى الكامل، وهذا ليس صحيحاً فنحن جزء من هذه الأمة وليس جزءاً فيها، كما أننا كمسلمين لدينا ميزة معرفة العالم الإسلامي وثقافته ولغاته، وبالتالي يمكننا أن نقوم بدور حيوي في سد الفجوة وبناء الجسور بين المجتمعات والثقافات والأمم.
● هل الإعلام الأميركي متحيز أو منصف للإسلام والمسلمين من وجهة نظرك؟
ـ لقد تركنا الإعلام بلا بذل المزيد من الجهد لمعرفتنا، وإنه من المؤلم أن تواجه الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، بمجرد شعارات دون خطوات عملية على الأرض لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية، ودحض الأباطيل التي يبثها الإعلام الصهيوني عن الإسلام والمسلمين، خصوصاً أن الإعلام الأميركي إعلام منفتح ويمكن للمسلمين استغلاله بصورة أفضل مما هو موجود في الوقت الحالي، كما أن الشعب الأميركي لديه الرغبة في معرفة حقائق عن الإسلام والمسلمين.
● بعد تولي الرئيس أوباما مقاليد الحكم كأول رئيس أسود يعتلي عرش الرئاسة الأميركية كيف تنظر إلى مستقبل المسلمين السود داخل الولايات المتحدة؟
ـ سعدنا كثيراً بتولي الرئيس أوباما رئاسة الولايات المتحدة ليس فقط كأول رئيس أسود ولكن أيضاً لأنه يحترم الإسلام والمسلمين ويسعى إلى التقريب بين المسلمين والمجتمع الأميركي، وهو ناجح في ذلك إلى حد كبير، وإن كانت يداه مكبلة نوعاً ما في السياسة الأميركية الخارجية تجاه القضايا العربية والإسلامية ولكن ذلك يرجع إلى أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات ولها سياساتها المعروفة التي لا يمكن أن تتغير بمجرد تغير رئيسها، ومن خلال تجربة أوباما يمكن القول إن المسلمين السود قادمون في أميركا فهم متغلغلون داخل المجتمع الأميركي ويعملون على تجسيد الإسلام بشكل صحيح، ولاسيما أن النظرة الأميركية للمسلم الأسود تغيرت كثيراً عن الماضي وأصبح التعامل معه كمواطن أميركي خالص وليس كمجرد مخلفات من الدول الإفريقية.
● يتحدث الكثيرون حول أسباب مختلفة لاعتناق السود للإسلام ولكن ما هي الحقيقة من وجهة نظرك؟
ـ ظاهرة المسلمين السود لا علاقة لها بالإسلام ولا بإفريقيا، بقدر ما كانت نِتَاجاً للسياسات العنصرية في الولايات المتحدة، ولفشل كنائس السود في الوفاء باحتياجات عمال الجنوب من السود الذين وصلوا إلى الشمال الصناعي، وأن المسلمين السود لا يستطيعون الادعاء بأنهم أرسوا هوية إسلامية أميركية، لأنهم كانوا بوضوح سوداً أولاً ثم مسلمين ثانياً.
إن سبب انتشار الإسلام بين الأميركيين السود هو أن الإسلام يقدم وسيلة فعالة وإنسانية للتعامل مع ظاهرة التعصب العنصري في المجتمعات الغربية، والراصد للتاريخ القريب يجد أنه قد تحول العديد من السود إلى الإسلام خلال حقبة الدفاع عن الحقوق المدنية عندما ساعد مالكولم إكس على حشد التأييد لجماعة laquo;أمة الإسلامraquo; واجتذب من بين آخرين الملاكم محمد علي كلاي، ومازال الإسلام يجتذب مشاهير السود مثل سكارفيس نجم موسيقى الراب الذي تحول إلى الإسلام في الفترة الأخيرة، وقد انتشر الإسلام بين الأميركيين السود خلال السنوات العشر الأخيرة خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وينتظر المسلمون السود في الولايات المتحدة مستقبلاً كبيراً إذ يبلغ عدد السود في أميركا 40 مليوناً منهم 3 ملايين مسلم أسود، وهو ما يقرب من نصف المجتمع المسلم بشكل عام داخل الولايات المتحدة.
● لك دراسة مهمة بعنوان الاستشراق الأسود فما هو المقصود من هذا الاستشراق؟
ـ كتبت في هذه القضية نظراً لمعرفتي بالطرفين المستشرقين السود والمسلمين في الولايات المتحدة الذين يكتبون عنهم، وحاولت رصد التغيرات التي طرأت على الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، وخصوصا حول العلاقة بين السود وغير السود، فقد كانت أغلبية المسلمين في الولايات المتحدة من السود حتى الربع الثالث للقرن العشرين، وبالتالي فقد كان للإسلام هوية سوداء محلية وأجندة سوداء محلية وآفاق واسعة للانتشار في عالم السود، أما بعد تدفق المسلمين من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا على الولايات المتحدة فقد اختلفت هوية المسلمين وأجندتهم، وأصبح هناك من يخشى وهناك من يقلق لذلك في وسط السود من مسلمين وغير مسلمين، لأن انتشار الإسلام بين السود جاء على يد الزعامات المحلية مثل اليجا محمد وغيره كان يعبّر في ما يعبر عن الشعور بالهوية السوداء المنبثقة عن الشعور بالاستعلاء لدى الأبيض، ولكن في 1965 حدث تحول كبير عندما ألغى الرئيس جونسون، laquo;قانون الأصول العرقيةraquo; الذي كان يقصر الهجرة إلى الولايات المتحدة تقريباً على الأوربيين. ونتيجة لهذا تدفق مئات الألوف من مسلمي الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا إلى الولايات المتحدة، حيث حملوا معهم ما يعتبرونه laquo;الإسلام الصحيحraquo; الذي قلب الأمور بالنسبة إلى السود هناك، وهكذا فقد كانت مشكلة المسلمين السود حتى ذلك الحين هم البيض، ولكن في الربع الأخير للقرن العشرين أصبحت مشكلة السود أيضاً مع بعض المسلمين الوافدين الذين يدعون احتكار فهم الإسلام، والذين يعبرون عن هويات وافدة لا تتآلف مع الهوية المحلية للسود التي كانت تغري المزيد من السود لاعتناق الإسلام، هذه التغيرات غدت مغرية للبحث بالنسبة إلى الجيل الجديد من المستشرقين السود، إذ رأى بعضهم فيها فرصة لتعميق الشعور بالمسافة التي أصبحت تفصل ما بين المسلمين السود والمسلمين غير السود أو الوافدين من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ومن القضايا التي ركّز عليها بعض المستشرقين موقف الإسلام والمسلمين من السود، وهم بذلك يصلون إلى أن مشكلة السود لم تكن مع البيض وإنما هي أيضاً مع الإسلام والمسلمين بهذا الموقف الاستعلائي، ولذلك أردت من هذه الدراسة توضيح وتفنيد الأهداف المستترة لهؤلاء المستشرقين السود الذين كانوا يستندون إلى رأي بعض الفقهاء المتأخرين في شمال إفريقيا، ومنهم ابن خلدون، وليس إلى ما ورد في الأصول الإسلامية laquo;القرآن والسنةraquo;، وهناك قضية أخرى كانت تستحق التفنيد وهي تركيز بعض المستشرقين السود على قضية الهوية، فقد اعتبر البعض اعتناق السود للإسلام بمنزلة التفريط في هويتهم نظراً لأن العرب حسب رأيهم، قد رتبوا شؤون الإسلام بشكل أصبح يفرض على غير العرب، أي على السود الأميركيين، التسليم بتفوق العرب والوصول إلى laquo;خنوع مفرطraquo; للسود يخسرون به هويتهم الخاصة، وهذا ليس صحيحاً بالطبع، فالإسلام ساوى بين المسلمين وجعل معيار الأفضلية عند الله عز وجل هو التقوى والعمل الصالح وليس لون البشرة، لذلك رأيت من الواجب عليّ كمسلم أن أوضح خطورة إثارة الاستشراق الأسود لهذه القضايا وغيرها، إذ أصبحت تثير الشكوك في ولاء المسلمين للولايات المتحدة، خاصة أن هؤلاء المستشرقين يسعون إلى العبث بواقع ومستقبل الإسلام في الولايات المتحدة، وإحداث تباعد كبير بين الإسلام والسود في الداخل الأميركي، مما سيكون كارثياً بالنسبة للمسلمين جميعاً بمن فيهم الوافدون وليس للسود وحدهم، لأنه من خلال اعتناق السود للإسلام بصورة أساسية أصبح الإسلام يحظى بما له من مكانة كدين محلي أميركي، وبدون السود سيكون الإسلام يتيماً في الولايات المتحدة خصوصاً أنهم كما ذكرنا يمثلون ما يقرب من نصف المجتمع المسلم داخل الولايات المتحدة، ونجاح المسلمين الأميركيين من السود والوافدين كمجتمع مسلم واحد في أميركا يعني فشل الاستشراق الأسود في إثارة النعرات والحساسيات سواء بين المسلمين أنفسهم في الولايات المتحدة أو بين المسلمين وغيرهم هناك، مما سيمثل قوة حقيقية للإسلام والمسلمين.
● من وجهة نظرك كداعية مسلم تعيش في الغرب ما الآليات الصالحة لفك أسر الأمة الإسلامية من أغلال التخلف المقيدة بها راهناً؟
ـ الطريقة الوحيدة لكسر قيود وأغلال التخلف والعجز هي الجهاد، وقد شاع فهم خاطئ بين المسلمين بأن الجهاد هو حرب الكفار فقط، لكن الصحيح أن للجهاد مفهوماً واسعاً في الدين، والجهاد في الإسلام نوعان: نوع يتعلق بالعلم والاستدلال بالبراهين، ونوع يتعلق بالجهاد في ميدان العمل، وكلا النوعين مطلوب لإعلاء كلمة الله، فأما الجهاد بالعلم والاستدلال فهو إثبات أصول الدين وتعاليمه بالأدلة العقلية والعلمية الحديثة في ضوء القرآن الكريم، وهذا هو الجهاد الكبير بتعبير القرآن laquo;ولو شئنا لبعثنا من كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراًraquo;، فالله سبحانه وتعالى أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين أن يجاهدوا الكفار ومنكري الحق، بالقرآن الكريم، الذي فيه من الحقائق والأدلة العلمية ما يصلح لأن يكون حجة ناصعة في كل عصر، وهي اليوم الحقائق الكونية التي تنكشف بالاكتشافات الحديثة، وهذا العلم هو الذي يجدر أن يسمى بعلم الكلام لما له من تأثير كبير في محاجة الكفار والجاحدين لله في عصرنا هذا، والحاجة ماسة إلى تدوين هذا العلم ومبادئه في ضوء القرآن العظيم والعلوم الحديثة، وفرض على العلماء أن يتفكروا في الظواهر الكونية ثم يتدبرون في كتاب الله العظيم فيستنبطون منه الأدلة العلمية التي تنكشف بمقابلة الاكتشافات الحديثة والحقائق القرآنية والتي تكون حجة قاطعة على البشر، فلا يكون لديهم مجال للإنكار، وأما الجهاد العملي فهو الجهد المتواصل في مجال النشاطات المختلفة التي تساعد الإسلام والمجتمع الإسلامي في إقامة صرح التقدم وغلبة الأمم والأديان كلها لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يتم هذا الجهاد في العصر الراهن إلا بالنبوغ والتفوق والسبق في مجال العلوم والتكنولوجيا، ثم إن لهذا الجهاد العملي يعني النشاط العملي في جميع الأعمال المدنية والاجتماعية من منظور إسلامي.
التعليقات