محمد علي باناجة
قلت لك إن المسألة الفلسطينية عرضة للخلود؛ لأن لا أحد متأذٍّ من بقائها إلاّ الفلسطيني العادي، والولايات المتحدة، وكل منهما غير قادر لأسبابه على دفع الأذى عن نفسه. كون أمريكا متأذية، وبالتالى راغبة في وضع خاتمة لهذا النزاع، حقيقة ربما وجد المرء صعوبة في رؤيتها بعد عقود من الشحن الإعلامى والاستعداء، ولولا أنها حقيقة لما مارست واشنطن الدور الفاعل (أو المحتمل أن يكون فاعلاً) الوحيد للوصول إلى تسوية.. ظلت القضية متراوحة حيث هي، وعرضة للخلود؛ لأن صاحبي المصلحة في حلها كانا معطّلين كل لأسبابه عن الفعل، بينما سيطر على زمامها بالقول والعمل إمّا غير المتأذي، أو صاحب مصلحة فى تأبيدها. قد تحدثت قبلاً عن الموقف الأمريكي، وبقي حديث لا بد منه عن المتأذي الآخر الفلسطيني العادي.. الذي يدّعي الجميع الدفاع عنه، ويتنازعون الحديث باسمه، بينما لا أحد مستعد لإعطائه فرصة التعبير عن نفسه، وسماع صوته، ثمة إصرار على كبت هذا الصوت، لأن سماعه يبطل عمل المزايدين ممّن أيديهم في الماء البارد. ولكي يسمع صوته بيقين لا سبيل آخر سوى ديموقراطية تتيح التعبير عنه وتوصله للآذان.. المشكلة أن الديموقرطية ليست خيارًا مطروحًا فى هذا الإقليم، لأسباب موضوعية تستحق الإنصات، إلاّ إنها في الوضع الفلسطيني ضرورة، إذ لا سبيل عداها لسماع صوت الفلسطيني العادي، وصوته هو ما قد يبطل دعاوى المزايدين المستغلين لمعاناته، أو قد يؤكدها، فلا وسيلة لكى نعرف سواها.. وهنا وبالمقال القادم سأقول لك باختصار لماذا أعيقت هذه الوسيلة.. سبب الإعاقة العام أن الموروث التاريخى يجعلها خارج مخيلة هذا الإقليم، لذلك عندما عادت فتح وياسر عرفات إلى فلسطين كخطوة أولى على طريق التسوية لم يكن فى ذهنه، ولا بين أهدافه إلاّ تأسيس نسخة جديدة للحكومة الشرقية التقليدية، وشابت الريبة نظرته إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وعارض تولى المجلس صياغة القانون الأساسى أو الدستور، كان يرى أن السلطة الفلسطينية المجسدة في فتح هي من يجب أن يصوغه. وعندما صاغه المجلس في النهاية وأجازه عام 1997 ماطل عرفات فى التوقيع عليه وإقراره.. المجتمع الدولي أيضًا لم يولِ مسألة الديموقراطية أولوية، أولوياته كانت وقف أعمال العنف، وتأسيس سلطة فلسطينية مستعدة للتفاوض، وصولاً إلى حل معقول. وكلمة المجتمع الدولي مسموعة، لأن دوره لم يك هامشيًّا، أمريكا وأوروبا كانتا تدفعان سنويًّا للسلطة 250 مليون دولار، وكانت إسرائيل تقوم بتحصيل الضرائب وتحويلها إلى السلطة، هذا علاوة على الدعم المالي العربي. إلى أي حد انعكست هذه الأثمان على معيشة الفلسطينى العادي؟ لك أن تخمن. عن الفلسطينى العادي وصوته المحجوب أواصل الأسبوع المقبل.
التعليقات