أحمد أميري
إذا كان هناك معلم فاشل، وكان في المقابل طلابه لا يحاولون الفهم بالاعتماد على أنفسهم، ولو بما يضمن لهم النجاح على الحافة، فليس من المنطق أن نقعد نلوم المعلم في كل لحظة ولا نعاتب الطلاب بكلمة واحدة.
بعض كبار الكُتاب العرب يتفننون في توجيه اللوم إلى الجميع، ابتداءً ببعض الأنظمة الفاشلة والمعارضة الصامتة والإعلام الدعائي والتعليم البائس، مروراً بالغرب الطمّاع، وانتهاءً بالتدخلات الإقليمية، بينما الشعوب العربية مجرد أرقام، وضحايا، ويتامى! والمواطن العربي، والفرد الواحد، لا يلقى من هؤلاء الكُتاب إلا المواساة والتعزية والتضامن وquot;الطبطبةquot;.
كل اللوم يقع على الكبار، وquot;الهواميرquot;، وأصحاب الأعناق الغليظة، وليست هناك كلمة توبيخ واحدة توجه إلى الصغار، وإلى أسماك السردين، وإلى الأفراد العاديين. وهناك إصرار على مقارنة وضع المواطن العربي بمواطني بقية الأمم، خصوصاً المواطن الأوروبي.
يقول غسان شربل في صحيفة quot;الحياةquot; عدد 24 سبتمبر 2007: quot;لا يشعر العربي أنه خسر الحاضر وحده. يشعر أن المستقبل فرّ من يد أبنائه. هل يمكن مثلاً أن تشهد النمسا وضعاً كالذي يعيشه العراق اليوم؟ هل يمكن أن تتنازع الميليشيات النمساوية على غرار ما يفعل الأشقاء في الصومال؟ هل يمكن أن تشهد النمسا تمرداً على غرار الذي شهدته اليمن وأدماها؟quot;.
وعلى المنوال نفسه يقول سمير عطا الله في quot;الشرق الأوسطquot; عدد 27 أغسطس 2010: quot;أتخيل القارئ الفرنسي وهو يقرأ صحيفته، وهمّه الأكبر رفع سن التقاعد. والقارئ النمساوي، وهمّه الأول موازنة صيانة الحدائق. والمواطن الياباني وهمّه أيام الإجازات. فيما هذا المواطن، من المحيط إلى الخليج، ومن الخليج إلى المحيط، لا وعد إلا وعد الخراب، ولا أمل إلا الخوف والرعب والحديث عن الفتنة وكأنه حديث عن قهوة الصباحquot;.
وكل ما يقوله هؤلاء السادة صحيح، ولكن كلامهم فيه نوع من المجاملة للفرد العادي ودوره ومسؤوليته عن كل ما يقع تحت تصرفه وسيطرته وإشرافه المباشر على الأقل، فهو غائب عن مجريات الأحداث كأن ليس له وجود من الأساس، وكأن المواطن الأوروبي المحسود لا يد له في النجاح الذي يجني ثماره، بينما لا يمكن تصوّر نكبة بلد ما من دون أن يكون للآلاف المؤلفة من الشعب دور فيما حصل، كما لا يمكن تصوّر النجاح إلا بسواعد الناس العاديين قبل كل شيء.
وإذا كان هناك جهاز حكومي سيئ السمعة في بلد ما، ساهم في تخريب الأوضاع أكثر، فهل جلس أب للحظات مع ابنه الذي يطمح في الانضمام إلى ذلك الجهاز، ونصحه بعدم التورّط مع هؤلاء، أو على الأقل بمراعاة إنسانيته أثناء العمل، أو على الأقل بعدم إقامة حفل بمناسبة انضمام ابنه إلى ذلك الجهاز؟ وقس على ذلك في كل أمور الحياة.
قبل أشهر احتلت المعارضة التايلاندية أهم شوارع بانكوك، وأدى التدخل العسكري ضدها إلى وقوع تفجيرات وقتلى وفوضى، وبرغم هذا، فإن السياح الخليجيين لم ينقطعوا عن زيارة تايلاند، فالأضرار التي لحقت بالحركة السياحية جرّاء تطاحن الكبار فيما بينهم، جبرها، في نظر السائح الخليجي، الناس العاديون في الشوارع والانطباع الجيد الذي تكوّن عنهم على مدار السنين، فكل من زار تايلاند لاحظ أن هناك إجماعاً شعبيّاً على الترحيب بالسياح، وشعر بأن كل فرد تايلاندي مسؤول سياحي في بلاده. في النجاح أو الفشل، ابحث عن الشعب.
التعليقات