حسين شبكشي

تابع عدد غير قليل من المهتمين بالشأن الإعلامي احتجاجات المغاربة على مسلسل كويتي وآخر مصري، بسبب إساءاتهما للنساء المغربيات، وهي مسألة فتحت نقاشا ساخنا مع مجموعة من الأصدقاء حول الرؤية الدرامية للسعوديين، وكيف يرى السعوديون أنفسهم من خلالها. كان النقاش يدور بشكل أساسي عن حجم السلبية المرتبطة بالصورة الذهنية للسعودي، وكيف أن رجل الأعمال أصبح هامورا جشعا مستغلا، ورجل الدين متطرفا متشددا أو مشروع إرهابي، والشاب طائشا ضائعا بلا هدف، والمرأة سطحية ساذجة بلهاء، والموظف الحكومي فاسدا مرتشيا وغير منتج، وكل ذلك يحصل وسط ضحك وقهقهات وكوميديا يسخر عليها السعوديون من أنفسهم، أو كما قال أحد الحضور laquo;ننشر غسيلنا ونعري أنفسنا ونفضح ذاتنا للغيرraquo;، وكل ذلك يتم برعاية مالية وإنتاج مالي من شركات سعودية أيضا، بما يعني أن السعوديين يدفعون ليفرجوا العالم عليهم، حتى يضحكوا هم والآخرون عليهم.

السخرية من الذات كنوع من النقد والمكاشفة ليست مسألة سعودية بشكل حصري، فهناك شعوب كثيرة تقوم بعمل ذلك، لكن ما يخيف البعض حاليا هو أن السعوديين لم يعودوا يرون الخير في بلادهم، ولا شخصيات ناجحة وقدرات مهمة، وبالتالي تحولت السخرية إلى أداة لجلد الذات وتكريس الصورة النمطية السلبية. الشكوى بالعموم لا تنطلق من فراغ، وكون السخرية مادة مؤلمة تنطلق من أن بعض حالات الواقع هي أشد إيلاما وحدة؛ فالقصص التي تصل للشاشة تعكس مشاهد من الواقع بصورة مبالغة، لكن الواقع لا يكذب هو الآخر. وهذا لا يعني أن السعوديين قد laquo;فقدواraquo; الأمل في رموز مشرفة ونماذج مشرقة، ولعل مشهد الحزن العام والعزاء الجماعي والمشاركة الكبيرة في التفاعل مع رحيل غازي القصيبي ينم عن مدى احترام السعوديين وتقديرهم للرجل الناجح والمسؤول المحترم والإنسان الشريف، وبالتالي هناك مكانة laquo;عاليةraquo; ومهمة لكل شخصية من هذا النوع، وهناك مكانة أخرى مميزة يحتلها شهداء الواجب الذين سقطوا مرفوعي الرأس وبكرامة وعزة وهم يدافعون عن البلاد والعباد أمام عصابات الإرهاب والضلالة، وقد كان للشهداء ولا يزال المرتبة المميزة عند السعوديين. وفي مرحلة ما كان السعوديون يفخرون بأعضاء منتخب كرة القدم في بلادهم بسبب ما حققوه من انتصارات (إلا أن هذا اختفى مؤخرا نتاج الضعف في المستوى وانعدام المسؤولية)، وطبعا قبل ذلك كله هناك إحساس بالفخر والاعتزاز بوجود شخصية قيادية محبوبة تسعى للإصلاح مثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على رأس السلطة في البلاد، فالرجل يفتخر به السعوديون، وأصبح من أهم القيادات المؤثرة اليوم في العالم باعتراف القاصي قبل الداني، وهو بذلك يخط نهجا حضاريا جديدا أساسه الإصلاح وحسن الظن بين الناس، سواء كان ذلك داخل البلاد أو بين البلاد والآخرين.

صدمة السعوديين من المواد الموجودة في ساحات الإعلام بحقهم، بين مادة مكتوبة كالكتاب الجريء، والرواية التي تكشف مستورا مثل laquo;بنات الرياضraquo; أو laquo;ترمي بشررraquo; فتنال نصيبا هائلا من الانتشار نظرا للفضول الموجود عن laquo;الصندوق الأسود الغامضraquo; في نظر الكثيرين والمسمى بالسعودية، وكذلك الأمر بالنسبة للبرامج الحوارية التي تتناول المشكلات والقضايا والمواضيع الداخلية السعودية بشكل موسع وتلقى القبول والمشاهدة الجماهيرية الواسعة (تماما مثل ما حدث من قبل للبنان ومصر والكويت مثلا)، والشيء نفسه بالنسبة للرسائل والطرف والنكات التي يتم تبادلها وتناقلها بسرعة البرق عن الأخبار السعودية والتعليقات اللاذعة عليها، كل ذلك يعتبره بعض السعوديين صادما، ويعتبرون أن طريقة التعامل بالسخرية laquo;فقطraquo; والاستهزاء بكل ما هو جميل وخاص هي نوع من التعذيب الذاتي والماسوشية المتطورة! لكن السعودية والسعوديين يتغيرون، فلسنوات طويلة كان التعاطي مع القضايا الداخلية محظورا، ومع التاريخ ممنوعا، ومع الدين منبوذا، ومع العادات مرفوضا، وعندما سمح بإبداء بعض الآراء تحولت الحريات إلى فوضى، لكن المجتمعات تصلح نفسها وتعدل ذاتها وتطور مفاهيمها، وما يمر اليوم به السعوديون مخاض اجتماعي مهم وفريد، لكن الأمل أن يتولد عن هذا المخاض مجتمع قادر على مواجهة نفسه بدلا من الإنكار، مجتمع أكثر ثقة وأصدق مع الذات، مجتمع يعترف ويقر ويرغب في الإصلاح، مجتمع ينظر للأمام بأمل بقدر نظرته للخلف باعتزاز. بقدر ما توجد علل ومشكلات وتحديات ومخالفات وأخطاء وسقطات وأشقياء يبقى الأمل في الإصلاح قوة أهم، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.