عبدالله فراج الشريف

لا شك أن الجنس علاقة جسدية إنسانية، غير مستنكر أن تذكر في الروايات، فالشخوص فيها بشر أسوياء لهم احتياجاتهم البدنية والروحية، ولا بد للأديب الراوي أن يعالج قضاياهم كلها في سياق روايته، وعليه أن يحسن توظيف هذه العلاقة، ليصل من خلال هذا التوظيف إلى رغبات شخوصه السوية، بل وغير السوية، لغاية الإفصاح عن سمات الشخصية، التي ألبسها لهذه الشخوص، وحتمًا هو لن يختار كل شخوص الرواية من غير الأسوياء، إلا إن كان لا يحسن سرد قصص سواهم، لأنه لم يتعرف في واقع الحياة إلاّ عليهم، فلن يظهر سوء سلوكهم إلاّ بعرض بحسن سلوك أسوياء تظهر شخوصهم معهم في الرواية، وهذا أمر نفهمه ونقدره للمبدع، ولن تجد -أخي القارئ- رواية في الشرق أو الغرب إلاّ وقد عالجت قضية الجنس في سياق السرد، ولكنك نادرًَا ما تجد رواية تخصصت في سرد حكايات جنس ممارس في أبشع صور الممارسة، وتقوم هياكلها على ذلك، حتى أن الشخصيات السوية لا تظهر خلالها إلاّ ليسخر منها، وكأن كاتبها لا يحسن الكتابة إلاّ عن هذا الجنس الرديء، الذي لا يصور قاع المجتمع، بل قاع قاعه، ولا تأتي صوره كلها إلاّ من المجتمعات الدونية للشواذ، والتي قد لا تجد لها مثيلاً لا في المجتمع السعودي، بل في سائر المجتمعات الإنسانية، حتى منها ما طغى عليه من ألوان الشذوذ أرذلها، ومثل هذا لا يعتبر توظيفيًّا للجنس في الرواية، بل ينبئ عن أن الرواية لم تكتب إلاّ من أجل استعراضه، فقد قرأت مؤخرًا رواية لم أستطع اتمامها، لأن الصور التي تعرضها تمثل نماذج من البشر لا تعرف في الحياة شيئًا سوى الانغماس في الشذوذ الجنسي القذر، بل المقزز، بحيث لا يستطيع إنسان مهما كان له من الرغبات الجنسية الحيوية التي تلحّ عليه ليشبعها أن يسيغ مثل هذا الشذوذ المقزز، بل إنه إذا عرضت عليه مثل هذه الصور بلغ به حد القرف أن يستفرغ ما في جوفه، لشدة دناءة ما يعرض عليه، لا أقول مكشوفًا، بل مغموسًا في رذائل غير معهودة حتى عند الأنذال من البشر، الذين أصابهم داء الشذوذ وأذهلهم عن أن يروا شيئًا من الفضائل، بل لم يعودوا يفرقون بين فضيلة ورذيلة، هذه صورة واقعية عن رواية سعودية، تستجدي الاهتمام خارج الحدود، ولعل كاتبها أدرك واهمًا أن الرواية السعودية لن تنال الإعجاب إلاّ إذا كانت مغموسة بالكامل في قذارة الجنس، ولعلنا اليوم بدأنا ندرك لماذا توجه أغلب كتّاب الرواية عندنا، خاصة منهم مَن كانت تجربته الأولى نحو الجنس، ولا شيء غير الجنس، بل لعله يرى أنها لن تقرأ ما لم تكن كذلك، فما جعل الروايات الصادرة مؤخرًا تملأ أرفف المكتبات، ولا يقبل أحد على اقتنائها، وتذكرت وفوق مكتبي هذه الأيام عينات من هذه الروايات المتوسلة بالجنس لتقرأ، ما كنا نقرأه لبعض كتّاب القصة والرواية ممّن اشتهروا في ثمانينيات القرن الهجري المنصرم، بأنهم يمارسون لونًا من الكتابة عن الجنس في ما يبدعون من أمثال العلايلي واسكندر الرياشي في لبنان، ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقادوس في مصر، وما كان يترجم للعربية من أعمال لمثل سارتر وصديقته فرنسوا ساغان، أو البرتو مورافيا، فرأيت أنها أنظف كثيرًا ممّا شاع في بعض روايات كتابنا السعوديين، وهم يمارسون السرد لأول مرة، وكثير منهم يفتقد تقنياته، بل لعله لا يمتلك الموهبة، التي هي أساس الإبداع، ولعله وجد الطريق السهل أن يكتب حكايات جنسية ضمها إلى بعضها وسمّاها رواية، ولعل كل ما صدر من روايات في بلادنا لم يحظَ إلاّ القليل النادر منه بالاهتمام خارج الحدود، لأنه لا يمثل فنًا روائيًّا حقيقيًّا، ولعل هذا الذي يحدث اليوم طفرة ستزول حتمًَا حينما نجد بين روائيينا مبدعين في هذا الفن، قادرين على الارتقاء به إلى مصاف الرواية. لا أقول العالمية، بل العربية، ولا بأس حينئذٍ أن يوظفوا الجنس في رواياتهم توظيفًا يساعد على نجاح الرواية، لا أن توصم بأنها رواية جنس وضيعة، تفتقد الإبداع، ولا تقدم للساحة الأدبية في بلادنا شيئًا ذا قيمة، فليس الإعجاب الأجنبي بهذه الروايات الجنسية يعود إلى تقديرها كنص مبدع، بقدر ما هو اندهاش من صدورها من بلد يكثر فيه التشدد في قضايا الدّين، ولعل بعضه استغلال لمثل هذه الروايات ضد هذا المجتمع لأسباب أخرى، والأمل معقود على مبدعي الوطن الشباب للنهوض بالرواية السعودية، مع إدراك أن الجنس قد يكون موظفًا فيها لا مستغرقًا لها، فهل يحققون الأمل؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.