يوسف الكويليت

ليست مكة المكرمة مدينة للسياحة الترفيهية أسوة بالمنتجعات والمشاتي والمصايف العالمية، بل هي، مع المدينة المنورة، أرض قداسة يؤمهما كل مسلم، وفي كل الأوقات للحج والعمرة، والزيارة ومن مختلف الطبقات ، متى ما كان قادراً على الوصول للحرمين الشريفين، إلا أن الصعود غير المنطقي في أسعار الفنادق التي وصلت لليلة الواحدة ما يقرب من عشرة آلاف، وفي العشر الأواخر لثلاث ليال عشرات الآلاف، فهو أمر يستدعي نسف النظرية التجارية للعرض والطلب ؛ بحيث تكون الحرية لمالك العقار لأنْ يضع السعر الذي يراه، لتصبح العمرة والحج لطبقة معينة قادرة على الدفع مع التكاليف الأخرى للمواصلات والمعيشة والتسوق وغيرها، وهو أمر سيجعل الطبقة الأخرى الصغيرة ، وما فوقها غير قادرتين على أداء الفروض الدينية إلا بأثمان ليس في قدرتهما توفيرها، عندما نعلم أن معظم قاصدي الحرمين الشريفين هم مّمن يجمعون القرش مع الريال لسنوات طويلة لتحقيق هذه الرغبة، ومن بلدان غالبيتها فقيرة أو متوسطة الدخول..

هناك طبقة محلية وخارجية مترفة تتلذذ بالصرف، ولا تبالي بالتكاليف والتي تحتكر المواقع وتصّعد الأسعار ، وهي النماذج المترفة في السياحة الخارجية، لكن الأمر سوف يدفع بالعاجزين عن الحصول على سكن مناسب يتوافق مع إمكاناتهم لأن يدخلوا في إشكالين، أحدهما الامتناع عن الوصول إلى المدينتين الشريفتين بواسطة مكاتب الحج والعمرة التي ستلتزم بسعر المالك، أو القدوم إليهما وافتراش الأرض والشوارع والمنافذ، وهنا سندخل في مسائل معقدة من الأمن والنظافة وخطورة انتشار الأوبئة والضغط على المكان ، وعدم السيطرة على حالة الانتشار الفوضوية..

وثانيهما: أنك لا تستطيع منع أي قادم لهذه الغايات الدينية ، وعملية الخضوع لشراهة المؤجر، سواء أكان فرداً أم جماعات أم شركات كبرى، لابد من وضع ضوابط لا تخلّ بالأساسيات الدينية الواجبة، إذ حتى لو بالغنا بسعر الأرض والمنشأة والتكاليف فهي لا تصل، في أجورها، إلى الآلاف حتى لو علمنا أن مكة المكرمة محدودة المكان ، وطبيعة جغرافيتها الجبلية معقدة وصعبة، لكن أن ترتهن الدولة لمزاجية التاجر أياً كان نشاطه، فهي مسألة ستثير الرأي العام المسلم عندما يقتصر أداء الفروض على طبقة معينة، ويُحرم من أدائها متوسطو الحال والفقراء، الذين يشكلون الأغلبية الكبرى، وهنا لابد من تدخل سريع لتحديد الأسعار وفقاً لمستويات الفنادق والعمائر والبيوت، إذا ما علمنا أن نسبة الإشغال طوال العام لا تقل عن ثمانين بالمائة مما تتحقق معه مكاسب خيالية يجب أن يراعى فيها التقنين ، ورفض المبالغات حتى تكون المدينتان لكل حاج ومعتمر وزائر..