يوسف القبلان

تستطيع المرأة أن تشتري ولكنها لا تستطيع أن تبيع، تستطيع أن تتعامل مع (الكاشير) في السوبر ماركت كمتسوقة ولكنها لا تستطيع أن تكون هي (الكاشير) كي تتعامل مع المتسوق، تستطيع أن تشتري الملابس النسائية من البائع الأجنبي ولكنها لا تستطيع ان تبيع هذه الملابس للمرأة.

تستطيع المرأة كذلك أن تعمل في المستشفيات وتستقبل الرجال وتقوم بفتح ملفاتهم وتحديد مواعيدهم ولكنها لا تستطيع وهي في مكان عام ان تقوم بعمل (كاشير). تستطيع المرأة ان تخدم الرجل في الطائرة كمضيفة، لكنها لا تستطيع على الأرض أن تخدم الرجل في السوبر ماركت عن طريق (الكاشير). تستطيع المرأة أن تبيع على رصيف الاسواق، ولكنها لا تستطيع ان تفعل ذلك داخل الاسواق. أليست تلك صوراً متناقضة؟ وماذا يعني هذا التناقض؟ ولماذا تتحول القضايا الخلافية إلى قضايا يصورها البعض بأنها خطر على الدين وعلى المجتمع؟ أليست وظيفة (الكاشير) عملاً شريفاً، وجزءاً من برنامج السعودة وفرصة وظيفية للمرأة لتعتمد على نفسها ولا تكون عالة على غيرها أو تقع في المحرّم ؟ أليس العمل للرجل والمرأة مساهمة في خدمة المجتمع وحلقة في منظومة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

نحن في مجتمع مسلم يُعلي قيمة العمل الشريف، ويضمن حقوق الانسان ومنها حقوق المرأة، وفي كل المجتمعات المسلمة لم تتحول المرأة إلى قضية خطيرة، واذا كانت المشكلة في سلوكيات فردية فإنّ البلد تحكمه أنظمة وقوانين لردع من يتعدى على حقوق الآخرين أو يعرض أمن الناس والبلاد للخطر. وهنا نتجه الى الخطاب الديني الذي حوّل المرأة خلال عقود من الزمن الى قضية منذ فتح المجال لها للتعليم الى ان اصبحت قادرة ومؤهلة لخدمة المجتمع والاسهام في بنائه وتنميته، ليس هذا فحسب بل هي بحاجة ماسة الى العمل الشريف لإعالة اسرتها ومساعدة زوجها على إشباع الحاجات الأساسية للإنسان.

ذلك الخطاب الديني الذي نتحدث اليوم عن ضرورة تجديده اتسم بأنه خطاب غير مبادر وإنما هو يقدم ردود الافعال التي تأتي في الغالب بطريقة يسيطر عليها التوتر والحدة والغلاظة والرأي القاطع في تحديد المنكرات وهي منكرات تتجمع كلها لتلتقي عند المرأة.

أغفل الخطاب الديني تلك الفجوة التي تفصل بين ما يتضمنه الاسلام من قيم عظيمة مثل الصدق، والعدل، والمساواة، والنزاهة، والأمانة، والتسامح، والسلام الخ، وبين ممارسات بعض المسلمين البعيدة عن تلك القيم. الخطاب الديني لا يسلط الضوء على هذه الفجوة حيث انشغل بقضايا صغيرة، وقضايا خلافية مثل غطاء الوجه للمرأة، وصورة بطاقة الأحوال للمرأة، واستخدام المرأة للانترنت، الخ.

أي ان المرأة دائما هي القضية الأولى في الخطاب الديني أما القضايا الأخرى مثل الممارسات الإدارية والمالية المتنافية مع قيم الإسلام فإن الخطاب الديني لا يتطرق اليها بحكم انشغاله المكثف بقضية المرأة.

هذه المرأة التي تحرم من أبسط حقوقها بمبرر مبدأ سد الذرائع والتي نحرص في خطابنا الديني على كرامتها هي الانسانة التي نسيء التعامل معها في المحاكم، ونحرمها من فرص العمل الشريف بمبررات تنسب الى الدين وهي مجرد عادات اكتسبت قوة الدين.

إنّ القضايا الخلافية في العصر الحديث ترجع إلى ان بعض العادات تطورت مع الزمن وأصبحت بقوة الدين مما جعل بعض العلماء يصور الخروج عليها بأنه ينذر بسوء مصير الأمة، بل إن بعض التقاليد الاجتماعية المنافية للدين مثل تصنيف الناس لا تحظى في الخطاب الديني بما تستحقه ويتم تجاهلها رغم أنها أخطر من قضية امرأة تعمل في مكان عام يرتاده الرجال والنساء.

إنّ المرأة التي تعلمت ثم بحثت عن فرصة عمل لتساهم كالرجل في التنمية الوطنية لا يجب أن تتحول في الخطاب الديني إلى باب للمؤامرة على الدين، ومدخل لثقافة التغريب، ثم كيف يجوز للخطاب الديني أن يعطي الانطباع بأن الدين والثقافة، والوطن ، وهي جوهر أساسي نضعه فوق رؤوسنا، هي جدار قصير أو بناء ضعيف يسهل اختراقه؟!