صالح القلاب
'لا أخبار يعني أن الأخبار جيدة'، وهذا ينطبق على المفاوضات المباشرة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، التي بدأت في واشنطن ثم انتقلت إلى شرم الشيخ في مصر، ومنها إلى القدس الغربية، والمقرر أن تنتقل إلى أريحا، إذ منذ البداية تم الاتفاق على أن أكثر ما يفسد طبخة أي مفاوضات هو الإعلام، وهو أن توضع بين يدي القيل والقال فتصبح بمنزلة كرة تتقاذفها أقدام أولي الأهواء والأجندات الخاصة... وبالنسبة لقضية الشرق الأوسط ما أكثرهم.
لأن الأميركيين يظهرون كل هذه الجدية ولأول مرة منذ إدارة بيل كلينتون فإنهم حرصوا على إبعاد هذه المفاوضات عن الإعلام وعن الاستعراضات والتصريحات والمؤتمرات الصحافية، والواضح أنه إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن أي خلاف، وهناك خلافات جدية وكثيرة، سيجري تطويقه قبل أن يصل إلى الصحف والإذاعات والشاشات الفضائية.
لأول مرة يقترب الأميركيون من هذه المفاوضات التي هي عسيرة وشاقة بالفعل، وقد أصبحت لديهم قناعة بأن مصالحهم الاستراتيجية تقتضي وضع حد لصراع الشرق الأوسط وبسرعة، ولأول مرة يسمع الإسرائيليون من الأميركيين أنهم لن يسمحوا لهم بالاستمرار في التلاعب بأمن هذه المنطقة الحساسة التي استطال النزاع فيها أكثر من اللزوم، والتي آن أوان حل مشكلتها ليصبح في الإمكان التصدي للتحديات المستجدة الكثيرة.
لا أحد يعرف ماذا يجري وراء الأبواب المغلقة إلا المتفاوضين وبعض المعنيين عن قُرب، لكن المؤكد أن الأميركيين يبادرون كلما تعقدت الأمور بالنسبة للاستيطان ومشاكله إلى إفهام الإسرائيليين بأنهم لن يسمحوا بالتلاعب بقضايا استراتيجية مثل التطلعات الإيرانية في المنطقة، ومثل تنامي الإرهاب وانتشاره مراعاة لعواطف وقناعات بعض المتدينين اليهود الذين يتمسكون بخرافات تاريخية لا أساس لها من الصحة، ولم تكن في أي يوم من الأيام بمنزلة حقائق على أرض الواقع.
لا يوجد أي شيء مضمون، لكن ما يجعل هذه المفاوضات واعدة، أنها بدأت جدية وأنها أُبعدت عن نزوات الإعلام ومبالغاته، وأنها ترافقت مع اتصالات سرية وعلنية بسورية، وأن ما يشغل بال الأميركيين وهم يفاوضون هو منع الإيرانيين من التمدد أكثر وأكثر في المنطقة، وانتزاع مبرر القضية الفلسطينية من يد المنظمات الإرهابية، والذين يقفون وراءها.
التعليقات