عبد الزهرة الركابي
لا شك أن الغرب (أوروبا وأمريكا) ومنذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، تجتاحه موجة طاغية من العنصرية حيال العرب والمسلمين عموماً، وقد تكون العنصرية الدينية هي رأس الحربة فيها، بيد أن العنصرية الدينية تعود خلفيتها الحقيقية إلى حقبة سقوط غرناطة آخر معاقل العرب المسلمين في بلاد الأندلس (إسبانيا)، مروراً بالحروب الصليبية، ووصولاً إلى القرن الأخير الذي شهدت السنوات الأولى منه، تعرض بلدين مسلمين إلى الغزو والاحتلال من قبل أمريكا .
إن ما يدور في الوقت الحاضر في الغرب حيال المسلمين والإسلام، هو تعصب ديني بحت، وقد يكون غطاء لغرض أو هدف له ارتباطات سياسية وثقافية، وبمجمل هذه الارتباطات العامة لهذا الهدف، فإن فحواه ومبناه لا يخرجان عن نطاق حالة العداء والكراهية المتصلة أصلاً بالرجع التاريخي الآنف، وربما تكون مقتضيات العصر الراهن قد تطلبت من الغرب استخدام آليات عصرية غير أخلاقية وحضارية مثل، نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتهديد بحرق نسخ من المصحف الشريف، ومنع بناء المآذن، والاعتراض على إنشاء مركز إسلامي في نيويورك، وكذلك حظر بعض رموز الملبس للنساء المسلمات، ناهيك من الممارسات العنصرية والتمييزية حيال المسلمين اللاجئين والمهاجرين، وحتى المسلمين المكتسبين جنسيات البلدان التي يقيمون فيها .
أضف إلى ذلك اللجوء إلى الأساليب القديمة في محاربة الإسلام والمسلمين من خلال الحروب العسكرية، مثلما هو حاصل في أفغانستان والعراق، وقد يأتي الدور على إيران على خلفية الملف النووي، وهذه الحروب بدت سافرة في نياتها لدى الغرب، وأن الذرائع التي ساقها في التحضير لهذه الحروب، اتضح في ما بعد زيفها وبهتانها، بل إن زعماء الغرب ما انفكوا يتخذون مواقف علنية ومكشوفة في إبداء عنصريتهم الدينية هذه، حيث ربط الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن في إحدى تصريحاته بين احتلال العراق والحروب الصليبية، كما لا ننسى قوله في هذا السياق، إن هذا الاحتلال جاء (بإيحاء ديني) كان يتراءى له حسبما كان يزعم .
وفي الفترة الأخيرة قامت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل باستقبال الرسام الدنماركي كورت فيسترغارد الذي أثارت رسوماته المسيئة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم احتجاجات عنيفة في العالم الإسلامي قبل خمسة أعوام، وتسليمه جائزة (أم 100 ميديا 2010)، كما دعا وزير الداخلية الألماني فولفغانغ شويبل كل الصحف الأوروبية إلى نشر تلك الرسوم الكاريكاتيرية السيئة، على غرار الصحافة الدنماركية، وذلك دفاعاً عن حرية الصحافة على حد زعمه، ناهيك من دفاع رئيس الوزراء الدنماركي السابق أندرس فوغ راسموسن عن إعادة نشر هذه الرسوم السيئة في صحافة بلاده، تحت ذرائع ومزاعم تتعلق بالديمقراطية والصحافة الحرة .
اللافت في هذا الموضوع أن هناك العديد من الدول الغربية بما فيها أمريكا وألمانيا وفرنسا وإيرلندا وكندا مثالاً وليس حصراً، تتضمن دساتيرها فقرات تحظر التمييز على أسس دينية، وتحرّم عدم احترام المقدسات وتشويه العقيدة الدينية، بيد أن الزعماء الغربيين، ممارسة وتصريحاً، لا يحترمون ما ورد في دساتير بلدانهم التي هي أساساً تمثل قانون ديمقراطيتهم هذه، بينما نراهم يدعمون ويشجعون على العنصرية الدينية تحت حجة تجسيد الديمقراطية واحترام حرية التعبير والرأي، ما يعني أن هناك تناقضاً صارخاً بين ممارساتهم ومواقفهم من جهة، وادعاءاتهم وتبريراتهم بشأن الحفاظ على الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير من جهة أخرى .
لذلك، اتخذت العنصرية الدينية الغربية جوانب حضارية وفكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخية وعرقية، لتكون بالتالي عنصرية شاملة، لكنها في حقيقة الأمر تنطلق من اعتبارات وأسس دينية، حتى إن المرشح الأسبق لانتخابات الرئاسة الأمريكية بات بوكانان في كتابه ldquo;موت الغربrdquo; يعتبر أن أحد مؤشرات موت الغرب يتمثل في نمو المجتمعات في العالم الثالث وخاصة الإسلامي حجماً وكياناً، وهجرة العرب والمسلمين إلى ديار الغرب وتشكيلهم كينونة ثقافية مغايرة للكينونة الغربية ومتحدية لها .
وفي هذا السياق، يأتي كتاب هنتنغتون ldquo;صدام الحضاراتrdquo; تأكيداً لهذه العنصرية المغلفة بأطر فكرية وحضارية، لكنها في المصب العام تحرض وتحض على هذه العنصرية كإحدى الحروب المعلنة على العرب والمسلمين، وبهذا الواقع، فإن العنصرية الغربية لن تألو جهداً في ابتكار وتصنيع المزيد من الحروب العدائية تحت لافتة ldquo;محاربة الإرهابrdquo; والتباكي على حقوق الإنسان والديمقراطية التي يخالفون قانونها مثلما أسلفنا، وتحت لافتتها قامت أمريكا باحتلال أفغانستان والعراق .
التعليقات