احمد المهنا

الخبر اليقين حول تشكيل الحكومة جاء من فضائية quot;العربيةquot;، على صيغة برنامج اسبوعي اسمه quot;من سيحكم العراق؟quot;. وهذا يعني ببساطة ان السالفة طويلة. وربما حل البرنامج الجديد محل سلفهquot;من العراقquot; في القناة نفسها. استمر هذا الاخير ثماني سنوات، وادى ما عليه وزيادة الى ان اصبح موضوع تشكيل الحكومة هو القضية، فاستحق عليها هذه quot;المكافأةquot;.

ولعل هذا هو مجمل الاهتمام العربي بالموضوع. وهو اهتمام اعلامي تشكر عليه القناة. اما السياسة العربية فقد طلقت العراق بالثلاثة، وكل من يقول غير ذلك واهم. السعودية فتحت بابها للعراق نحو بضع دقائق ايام الانتخابات ثم سرعان ما اعادت اغلاقه. أما مصر، الأخ الأكبر، فقد نسيت الموضوع بعد ان رأت فيه الكثير من الريح وهي اصلا فيها اللي مكفيها. سورية جربت قليلا فوجدت الأمواج الايرانية عاتية فتراجعت والتمت.

ولعل احسن شيء يفعله العراقيون ان يسيروا على درب العرب ويتخذوا من اللامبالاة منهجا. صحيح ان لدى العرب امكانية ترف مثل هذا الموقف لأنه لن يلحق بهم اضرارا فورية، بينما يتضرر العراقيون كل ساعة امنيا واقتصاديا ومن كل النواحي الاخرى. ولكن في المقابل فقد اثبتنا نحن العراقيين قدرة فائقة على التحمل لا يملكها عرب ولا عجم.

لا بل ان هذه ربما ستكون فرصتنا لنعرف ماهي مشكلتنا، ولماذا نفشل في تشكيل حكومة، وكيف نأمل في بناء دولة اذا اصبح قيام الوزارة متعذرا. ذلك ان quot;الفراغquot; السياسي قد يتيح لنا الوقت الكافي لتكوين مثل هذه المعرفة. والمعرفة قوة. فاذا ملكنا القوة استطعنا التقدم على طريق حل أزمة تشكيل الحكومة.

لكن نظرية المعرفة قوة تصدم بعقبة كأداء عندنا في العراق وعند العرب عموما. وهي ان المعرفة لا تقبل الصرف ولا تأتي بالمال ابدا في هذا الجزء من العالم. والمال هو المفتاح السحري لحلول المشاكل السياسية. فأنت لا تستطيع ان تؤلف حزبا دون مال، ولا ان تخرج مظاهرة دون صرف، ولا ان تربح انتخابات دون انفاق. وهذه اشياء لا بديل عنها في العمل السياسي، فالمشاكل السياسية تحل بهذه الوسائل السياسية. والمال يأتي عندنا اما من موارد الحكومة او من الفساد او من الجارة الحنون. والشعب الذي يريد ابتكار حل ازمة تشكيل الحكومة لا يستطيع ان يصبح كله الحكومة او الفساد او الجارة الحنون. الحقيقة ان السالفة quot; داجةquot; من هذه الناحية. فالفراغ السياسي المصحوب بالاضطراب الأمني ليس البيئة الملائمة لمعرفة جديدة ولا لقوة حل بديلة.

دعونا اذن في الأمر الواقع. ستتواصل جولات التفاوض وينفق الكثير من الكلام على مدى الشهور الستة القادمة على الاقل. وقد لا ينتهي الامر بالقليل او الكثير من المفاجآت. فالدائرة التي ستولد منها الحكومة محدودة ومعروفة. وطالما ان الحرب الاهلية اصبحت مرفوضة اقليميا فانها لن تقع. ويبقى السؤال عما اذا سيكون للنتيجة التي لابد منها، اي قيام الحكومة، معنى او فائدة. هل سيكون تأخير سنة مجرد تبديد عابث للوقت ام تجربة نشتري بها حكمة للمستقبل؟

بانتظار الجواب، الذي أميل لاعتباره معروفا، فان استمرار الفرجة العالمية على المأزق لشهور اخرى لن يكون مسليا. فالمأساة وحدها هي ما يجعل بلدا من البلدان فرجة الأمم.