القطبيون هم أصل البلاء
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
الجزيرة السعودية
في كتابه (معالم في الطريق) يقول سيد قطب: (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم.. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلامياً.. هو كذلك من صُنع هذه الجاهلية).. انتهى.
من يُصَدق أن هذه الحضارة الشامخة، التي نفذت إلى أعماق الفضاء، وهذه المنجزات الإنسانية الرائعة، والمخترعات العظيمة في كافة المجالات، لا تختلف عن الجاهلية الأولى التي قضى عليها الإسلام كما يقول سيد قطب، فيجب أن يَعرضَ نفسه على طبيب نفسي؛ هذا إذا لم يكن مُختلاً عقلياً.. أي خَبَالٍ وعَتَه يكتنف أدبَ هذا الرجل؛ وكذلك كل من يدور في فلكه من مريديه ومرددي شعاراته الفارغة البلهاء؟
وأنا ممن يعتقدون اعتقاداً جازماً أن كل الويلات الدامية والمفجعة التي أُلصقت بالإسلام، وشهدتها نهايات القرن العشرين، خرجت من تحت عباءة هذا الرجل المأزوم. المشكلة أن طوام هذا الفكر علقت بنا نحن السعوديين، وبدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- رغم أن علاقتنا بها كعلاقة ابن لادن بالإسلام؛ فالذي أحال الإسلام من دين إلى حركة حزبية هم (الإخوان المسلمون)، وكذلك كل من تفرّع عنهم من حركات دينية محلية؛ التقط هؤلاء الحركيون تراثنا، وأعادوا صياغته، وحولوه إلى (أيديولوجيا) تدميرية، ثم لقنوه أبناءنا في مراحل التعليم المختلفة؛ يكفي أن تعرف أن محمد قطب شقيق سيد قطب، نَفَذَ في فترة مظلمة من تاريخنا إلى وزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم حالياً)، و(ألَّفَ) حتى منهج (التوحيد) في بعض المراحل الدراسية.. وهو ما أشار إليه الزميل الأستاذ هاني الظاهري في أحد مقالاته؛ يقول: (قبل عقدين من الآن تتلمذ السعوديون في المرحلة الثانوية على منهج للتوحيد ألَّفه laquo;محمد قطبraquo; وهو بالمناسبة شقيق laquo;سيد قطبraquo; الذي أُعدم بمحاكمة رسمية في مصر عام 1966م, وما زلت أتذكر كيف تم تدريسنا معنى laquo;لا إله إلا اللهraquo; وفق مفهوم قطب وهو: laquo;رد السلطة المغتصبة التي يستعبد بها الناس إلى صاحبها الحقيقي اللهraquo; رغم ما تتضمنه هذه العبارة من إساءة إلى الله عز وجل وسوء أدب معه بافتراض وجود من هو قادر على اغتصاب سلطته منه).. ويوضح: (وردت هذه العبارة في منهج التوحيد الذي ألَّفه محمد قطب للصف الثاني الثانوي صفحة 23 في السطر 17.. وقد استنكرتها بعد ذلك بسنوات اللجنة الدائمة للإفتاء واعتبرتها إساءة للأدب مع الله في الفتوى رقم (9234).. انتهى.
مخجلٌ بصراحة أن يلجأ المؤتمنون على المناهج في بلاد (التوحيد) إلى مُنِّظر إخواني ليُعلم أبناءنا مفاهيم التوحيد؛ وكان من المفروض أن يتنبه المسؤولون آنذاك إلى هذه الإرهاصات (الحركية) الفكرية قبل أن تستشري وتتحكم بمفاصل المؤسسات التعليمية؛ غير أن حُسن الظن - على ما يبدو - تقدم على الحيطة والحذر والحزم، فلم يتنبه القائمون على شؤون التعليم آنذاك إلى تغلغل هذه الحركات في المؤسسات التعليمية على حين غفلة منا، حتى وقع (الفاس في الراس) للأسف الشديد.
أملنا أن يعي المعنيون بالأمر في وزارة التربية والتعليم أن الإصلاح يبدأ (أولاً) من إقصاء الحركيين عن كل ما له علاقة بتأليف المناهج، وكذلك الأمر بالنسبة للعاملين في مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الذي نعلق عليه الكثير من الآمال؛ و(ثانياً) التنبه بعين يقظة لتوجهات المعلم الفكرية، وكذلك المعلمة؛ فهُما المعنيان بالتعامل المباشر مع الطالب والطالبة؛ فلا تأخذنا في اجتثاث (الحركي) منهم لومة لائم؛ دون ذلك سنظل نردد قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
إلى اللقاء.
نقد المصادر الشيعية
حمزة قبلان المزيني
الوطن السعودية
الخلاص من أقوال الغلاة والكذابين سيمهد الطريق إلى درجة أعمق من التقارب والتآلف بينهما. ذلك أن كثيرا من الأحاديث المكذوبة يتصل بالعقيدة التي يؤسِّس الخلاف فيها لمشكلات تمنع التقارب ويشرِّع للتكفير المتبادل والتنابذ الشائع الآن
ظلت بعض quot;الأحاديثquot; المكذوبة في مصادر السنة والشيعة سلاحا ماضيا يستخدمه المتطرفون من الجانبين في الصراع المذهبي. وكنت عرضت في مقالات سابقة إلى ضرورة quot;تدوينquot; الأحاديث النبوية الشريفة من جديد والاستعانة في إنجاز هذا المشروع المصيري بالمناهج العلمية النظرية والعملية الحديثة التي جدَّت في هذا العصر.
وأود هنا أن ألقي ضوءا على أحد الاجتهادات التي قام بها أحد علماء الشيعة السعوديين لتحرير الأحاديث المروية في المصادر الشيعية من quot;الأحاديثquot; المكذوبة والضعيفة. وتتبين خطورة هذه المشكلة في التراث الشيعي مما يقوله السيد محمد حسين فضل الله ـ رحمه الله ـ عن quot;الأحاديثquot; الموجودة في كتاب quot;الكافيquot; للكليني. فيقول إن علماء الشيعة يرجعون إلى ذلك الكتاب quot;في الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكنهم لا يضمنون صحته كما يضمن علماء أهل السنة صحيح البخاري أو صحيح مسلم، بل يعملون على دراسة كل حديث بمفرده من خلال شروط صحة الأحاديث عندهمquot;.
ويكمن المشكل هنا في أن اختلاف الاجتهاد بين العلماء لا يَنتج عنه إبقاءُ تلك quot;الأحاديثquot; أو إزاحتها من هذا المتن الحديثي المعتبر لأنه ربما لا يلتزم أحد باجتهاد أحد، وهذا ما يبقيها في متناول قراء الكليني، ووجه الخطر هنا أن من الممكن أن يَستخدم الوعاظ المتحمسون والمتطرفون وغير المتخصصين من الشيعة كثيرا من تلك quot;الأحاديثquot; التي يرى العلماء المحققون من الشيعة أنها غير صحيحة. كما يمكن أن يستخدم المتطرفون من السنة quot;الأحاديثquot; التي لا يرى كثير من علماء الشيعة صحتها سلاحا ضد الشيعة أنفسهم احتجاجا بوجودها في الكتاب.
ويشير هذا إلى ضرورة أن يسعى علماء الشيعة الموثوقون، الآن أكثر من أي وقت مضى، لتخليص المتن الشيعي ـ وإلى الأبد ـ من quot;الأحاديثquot; غير الموثوقة التي تؤسس لكثير من القضايا الخلافية العويصة التي وجدت في فترات الصراع المذهبي. وقد بدأ بعض علماء الشيعة نقد ما يروى من أحاديث في مصادر المذهب. وليس بالإمكان هنا عرض تلك الجهود، لكن يمكن الإشارة إلى جهود الشيخ حسين الراضي العبدالله الذي نشر بعض الكتب النقدية المهمة للمتن الحديثي في المصادر الشيعية. وسأعرض كتابين من كتبه؛ وأبدأ بالأول هنا، وأرجئ عرض الكتاب الثاني إلى مقال تال.
والكتاب الأول هو (المؤامرة الكبرى على مدرسة أهل البيت: قراءة من الداخل. الوضع والتزوير: أسبابه ـ أبعاده ـ نتائجه ـ علاجه. بيروت: دار المحجة البيضاء، ط1، 1429هـ، 400ص). يقول المؤلف إن غرضه من تأليفه quot;...علاج بعض الصيحات النشاز التي تُطرح في هذا الوقت وذاك، ومن هنا وهناك وفي بعض الحوزات العلمية من بعض الطلبة حول إشاعة حجية كل الأخبار الموجودة في كتبنا وصحتها ليس في الكتب الأربعة فحسب ـ كما قال به بعض العلماء ـ بل في الموسوعات الكبيرة المتأخرة كالبحار والوسائل ومستدركه والوافي وكتب الصدوق والمفيد وغيرهاquot;.
ويشكو المؤلف من أن التسليم المعهود بصحة هذه المصادر هو المعمول به quot;لذا نرى مثلا أن كل من يناقش رواية تاريخية أو رواية في الدعاء أو الزيارات قد استأنست أذهان العوام بها قامت عليه العاصفة وسلقوه بألسنة حداد وهكذا في بقية الروايات في الأدعية أو الزيارات أو الفضائل أو بقية المواردquot; (ص7). ويبين شيوع quot;الأخبار الضعيفة والمكذوبة والموضوعة وأخبار الغلاة والرؤى والمنامات والخرافاتquot; والترويج لها في تراث quot;مدرسة أهل البيتquot; (ص8). كما يبين ضرورة الدراسات النقدية لذلك التراث الضخم لأن quot;مثل هذه الدراسات الداخلية والنقد الذاتي تبني هذه المدرسة وتنفض الغبار عنها وتطرد الطفيليات العالقة بها وليس كما يتصور البعض أن مثل هذه الأبحاث تشوه سمعتهاquot; (ص12).
ويبين أن الوضع والكذب والتزوير لم يكن مقصورا على المدرسة الشيعية بل ابتليت به المذاهب الإسلامية الأخرى ومنها مذهب أهل السنة، لكن quot;الوضع على مدرسة أهل البيت والكذب عليها (ربما كان) أكثر من غيرها لوجود الدواعي والأسباب الكثيرةquot; (ص68).
ويعرض لأسباب الوضع التي تنشأ عنها الروايات المكذوبة في المدرستين. ويورد نقلا عن بعض المصادر أن عدد الأحاديث المكذوبة بلغ 408684 حديثا (ص36)، وليس من الواضح إن كان هذا العدد عند السنة فقط، أم عند الشيعة وحدهم، أم عند المذهبين كليهما. لكنه يقارن بين المدرستين في تتبع هذه الأحاديث المكذوبة فيبين (ص45) أن علماء السنة تصدوا quot;إلى إفراد مؤلفات في الأحاديث الموضوعة والضعيفة على حدة فضلا عن الروايات التي لم تفرد في بعض الفصول ضمن الكتب المؤلفة في الأحاديث والتراجمquot;، ويتأسف على أنه quot;لم يتصد أحد من علماء الشيعة لذلك إلا نادراquot;.
ويعرض (الفصل الثالث من الباب الثاني quot;الغلاة من الشيعةquot;، ص97ـ225) لأسماء وسِيَر 95 من الغلاة الذين تنسب إلى أكثرهم quot;روايات في الفقه والعقيدة والأخلاق والاجتماع كما أن بعضهم بلغت رواياته بالآلاف والبعض الآخر بالمئات والباقي بالعشرات أو الآحاد. وقد اختلطت هذه الروايات مع الروايات الصحيحة بحيث لا يمكن تمييزها حتى أفسدتها وفي بعض الأزمنة التي راجت فيها نظريات الغلو والغلاة تصدرت المحافل الاجتماعية والكتب ومجالس الدرس والعزاء والوعظ والإفتاء، وفي كثير من الحالات تستبعد الروايات الصحيحة لإعراض الناس عنها وتقديم روايات الغلو لأنها متداولة بين الناس وقد استأنست أذهانهم بها، بل وأكثر من ذلك إذا أحد تعرض لها بالنقد أو تبيان فسادها قام بعض الطلبة أو عوام الطلبة وأهل المصالح الدنيوية ضده وأمطروه بوابل الإشاعات واتهموه بمختلف التهم حتى يسقطوه من المجتمع خوفا على مراكزهم ودكاكينهم التي لا يقوم سوقها إلا على الخرافات والغلو حتى وإن كان فيه القضاء على شريعة سيد المرسلين ومذهب أهل بيته الطاهرينquot; (ص ص 224ـــ225).
ويعرض لبعض الفِرق التي امتهنت الكذب على الأئمة، واختلاق الأخبار التي تزعم لهم من الخصائص ما يمكن أن يصل إلى حد التأليه. ثم يورد نصوصا لبعض الأئمة الكرام يسمُّون فيها بعضَ الغلاة، ويصفونهم بالكذب، ويتبرؤون من اختلاقاتهم، ويؤكدون في مقابل ذلك عبوديتهم هم لله تعالى. ومن تلك النصوص الدالة ما أورده (ص 240) عن الكشي quot;قال لما لبى القوم الذين لبوا بالكوفة دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فأخبرتُه بذلك فخرَّ ساجدا وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول بل عبدٌ لله قِنٌّ داخر مرارا كثيرة ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته. فندمت على إخباري إياهquot;.
لا يغني هذا العرض الموجز عن الرجوع إلى هذا الكتاب المهم للاطلاع على جهد المؤلف في تبيين أحد العوامل المهمة التي تؤسِّس للعداء بين السنة والشيعة. وسينتهي قارئ الكتاب إلى أن الخلاص من أقوال الغلاة والكذابين سيمهد الطريق إلى درجة أعمق من التقارب والتآلف بينهما. ذلك أن كثيرا من الأحاديث المكذوبة يتصل بالعقيدة التي يؤسِّس الخلاف فيها لمشكلات تمنع التقارب ويشرِّع للتكفير المتبادل والتنابذ الشائع الآن. ويستحق المؤلف الثناء على جهده العلمي البارز، والأمل أن يستمر هذا المنحى المحمود بنية صادقة لإقامة الدين على متنٍ حديثيٍّ صحيح سعيا للقضاء على مسببات المشكلات التي ورثناها جميعا.