نورالدين قلالة

لا أحد -في تقديري- يمكنه أن يشكك في أن الإرهاب، بعد تفجيرات 11 سبتمبر، أصبح شأنا دوليا، يلعب دورا رئيسيا في العلاقات الدولية، ويرسم نسقا سياسيا مغايرا تماما لمفاهيمه الكلاسيكية، حيث أصبح الإرهاب يصنف بحسب ديانة مرتكبيه، على الرغم من أن كل أعمال الإرهاب التي مارستها المنظمات الصهيونية في فلسطين، لم تؤدِّ بأي حال من الأحوال إلى اتهام الديانة اليهودية بالإرهاب، كما أن كثيرا من المنظمات الكاثوليكية والبروتستانتية وحتى الهندوسية، مارست أشكالاً شتى من الإرهاب، لكن لم يجرؤ أحد على الحديث عن الإرهاب المسيحي أو الهندوسي.
الذي يحدث في بلداننا العربية قلب كل المفاهيم الأساسية للإرهاب، فبمجرد حدوث تفجير في كنيسة تتجه أصابع الاتهام إلى الإسلاميين، وبمجرد وقوع عملية تفجيرية في مسجد تتجه أصابع الاتهام أيضا إلى الإسلاميين المتطرفين المتزمتين الأصوليين..
وإذا لم يحدث هذا يتم اتهام جهات خارجية تكون في النهاية إما إسرائيل كدولة شماعة تعلق عليها كل دواعي الفشل العربي، وإما تلصق التهمة بنظرية المؤامرة الجاهزة.. سواء التآمر ضد الحكم أو ضد الشعب أو ضد استقرار البلد وتاريخه وثورته.. وفي آخر المطاف قد يتم إدانة هذه الجهات الخارجية التي يمكن أن تكون هي الأخرى تنظيمات إسلامية متطرفة..
وفي النهاية نجد أن مفهوم الإرهاب الحالي بمستوياته الإقليمية والدولية المختلفة، يشهد توظيفا سياسيا وأيديولوجيا وثقافيا وحتى تقنيا يصب كله في اعتبار أن الإسلام هو أكبر تهديد إرهابي على السَّير الحسن للعلاقات الدولية.
ما أريد أن أقوله هو أن الإرهاب كظاهرة سياسية ثابتة جرى تحريفه وتشويهه بصورة نمطية مروعة، لا تستند على أي نمط من أنماط الأسس الواقعية في التعامل مع الظواهر السياسية. هذا laquo;التجنيraquo; -إذا صح التعبير- على الإرهاب أصبح لغة سياسية معترفاً بها دولياً، وورقة ضغط يخرجها أي طرف لخصومه أو أعدائه داخل الدولة أو خارجها.
والحقيقة أن الأدبيات السياسية في العالم العربي والإسلامي عجزت عجزا تاما عن تفسير الظاهرة في إطارها الصحيح، لأن الأنظمة السياسية السائدة في المنطقة، خاصة غير الشرعية منها -وهي كثيرة حسب علمي- قامت بتوظيفها واستثمارها من أجل بقائها والحفاظ على وجودها إلى الأبد.
كثير من هذه الأنظمة تنفذ عمليات إرهابية خدمة لمصالحها وحفاظا على أمنها القومي، ثم تلقي التهم على تنظيمات سياسية داخلية أو خارجية ترى أنها تشكل تهديدا على استقرارها. وقد رأينا مؤخرا كيف كشف موقع 'ويكيليكس' عن 'تورط' جهات سياسية عراقية في أعمال إرهابية، مثلما حدث الأمر أيضا في الجزائر أثناء ما يسمى بـ laquo;العشرية السوداءraquo;، حيث جرى اتهام جهات في النظام بتشكيل جماعات إرهابية تنفذ عمليات لصالحها. وفي دول عربية أخرى يتم تمويل ودعم منظمات إرهابية عالمية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء من أجل اتقاء شر هذه التنظيمات أو ضمن إطار تنفيذ أجندات دولية تخدم مصلحة تلك الأنظمة.
من جهة أخرى، نجد أن التعامل مع الإرهاب يتم حسب ظروف كل مرحلة، وحسب متطلبات أي تغير على الصعيد السياسي، ففي مصر التي تعرضت أمس لإحدى أبشع العمليات الإرهابية أمام كنيسة القديسين في رأس السنة، كالعادة يجري توجيه الاتهام إلى جهات خارجية، خاصة وأن العملية تأتي بعد حوالي شهرين من تهديدات لتنظيم القاعدة باستهداف الأقباط.. لكنها تأتي أيضا بعد 6 أشهر من تمديد قانون الطوارئ، في نص صريح ولأول مرة، بتقييد استخدام القانون إلا في مجالي مكافحة الإرهاب والجرائم المرتبطة بالاتجار في المخدرات، وتأتي بعد سنة من عملية كنيسة نجع حمادي إثر هجومٍ مسلح شنه ثلاثة مجهولين على الكنيسة الواقعة بمحافظة قنا بصعيد مصر. وكما هو معروف، فإن ملف عملية نجع حمادي لا زال لحد الساعة يتجول بين أروقة القضاء المصري، بدون حكم، وبدون متهمين.. وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات أخرى عندما نسمع الرئيس المصري حسني مبارك يتعهد بتعقب الجهات التي خططت لتفجير الإسكندرية لأن العملية laquo;استهدفت الوطن بأقباطه ومسلميهraquo;، باعتبارها تقع ضمن laquo;حلقة من حلقات الوقيعة بين الأقباط والمسلمينraquo; ليضيف مبارك أن laquo;مصر برمتها هي المستهدفةraquo;.
وعموما، عند حدوث أي عمل إرهابي بدولة ما، تذهب كل الجهات في الدولة وخارجها إلى التنديد بالإرهاب، فلا أحد مع الإرهاب طبعا، الجميع يندد ويرفض ويغضب ويشجب.. لكن لا أحد يتحرك للمواجهة أو البحث في أصول الفعل أو دوافعه، بل يجري الهروب والتملص من المسؤولية الأخلاقية التي يفرضها النقاش حول عدالة القضية أو عدم عدالتها. والخطير في الأمر أن التهرب من عدالة القضية ونفيها يساوي بين المجرمين والمناضلين من أجل التحرر.... والتخلص من الاحتلال، مثلما كان الحال في فلسطين عندما كانت السلطة الحالية، وحتى السابقة بقيادة ياسر عرفات، تندد بـ laquo;العمليات الإرهابيةraquo; التي تنفذها المقاومة ضد إسرائيل!!
بغض النظر عن الإرهاب الذي تمارسه بعض الدول ضد رعاياها، فإن الإرهاب أشنع وأفظع فعل على وجه الأرض، يتوجب التصرف معه بخصوصية فائقة الذكاء تفترض توفر الأطر السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. لمعرفة أسباب هذه الظاهرة وأهدافها، لأننا في النهاية نحارب أشباحا لا يمكن رؤيتها، تعيش معنا في البيت والمدرسة والشارع ومقر العمل.. وحتى نضع حدا للخوف من الإرهاب، علينا أن نخلق طرقا جديدة لزرع الخوف في أوساط من يمارسونه، وهي دعوة صريحة لإستراتيجية جديدة لإرهاب الإرهاب.