علي راشد النعيمي


لقد استمتع معظم سكان المعمورة بمباريات كأس العالم لكرة القدم التي جرت لأول مرة في بلد أفريقي يمثل نموذجاً للمجتمع الإنساني بأطيافه المتعددة عرقيّاً ودينيّاً وثقافيّاً. وقد مثلت الجماهير الغفيرة التي حضرت من كل مكان لمشاهدة المباريات فرصة للتعرف على الآخر وإدراك المشترك بيننا جميعاً كبشر، مع احترام خصوصية الجميع. ولضخامة الحدث فقد طغى على سائر الأنشطة والبرامج في جميع أنحاء العالم بحيث إن الناس أعادت جدولة برامجها لكي تتوافق مع أوقات المباريات. وقد ازداد الاهتمام بالمباريات والتفاعل معها كلما اقتربت نهايتها، وبالذات المباراة النهائية، التي استرعت اهتمام الناس في كل مكان، وجمعتهم على سجيتهم البسيطة للاستمتاع بالحدث كنموذج للمنافسة الشريفة بين شباب العالم.

وفي ظل أجواء احتفالية ومناسبة للترفيه البريء عن النفس يأبى أصحاب القلوب المريضة والنفوس الحاقدة على كل شيء إلا أن يفسدوا على الناس فرحتهم بقتل الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ وشباب وذلك باسم الإسلام وتحت راية quot;الجهادquot;! إن مقتل أكثر من سبعين شخصاً بريئاً في أوغندا في حادثتين إحداهما في مطعم والأخرى في ملعب رياضي من قبل ما يسمى بجماعة quot;الشباب المسلمquot; الصومالية يمثل نموذجاً للرسالة التي يقدمها بعضنا نحن المسلمين للعالم عن القيم والمبادئ التي لا تمثل الإسلام، ثم بعد ذلك نتساءل: لماذا يوجد في الشرق والغرب من يناصبنا العداء؟ ولماذا تنطلق بين الحين والآخر دعوات حاقدة على الإسلام بينهم؟

إن هذه الحادثة الشنيعة وأمثالها هي أفضل وسيلة لخلق الأعداء لنا في كل مكان من العالم. صحيح أن هؤلاء الإرهابيين لا يمثلون الإسلام ولكن العالم الآخر لا يعرف هذا، بل يرى أنهم يتبنون الحادثة بشعارات الإسلام، ومن ثم يرى في كل مسلم حزاماً ناسفاً وقنبلة موقوتة قد تنفجر في كل لحظة. وذلك يمثل أفضل دعم للمتطرفين الحاقدين حقيقةً على الإسلام في مجتمعاتهم، ويضعف أنصار التسامح واحترام الإسلام كدين بينهم. إن استمرار وقوع مثل هذه الحوادث باسم الإسلام لن يجلب إلا الشر والضرر على المسلمين في كل مكان، وبالذات للجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب، ولذا فإن الأمر يتطلب تحركاً عاجلاً لإنقاذ سمعة الإسلام من قرصنة هذه الجماعات. ولابد أن يكون هذا التحرك نابعاً من العالم الإسلامي بكل طاقاته وإمكانياته، وأن تشارك فيه الشعوب والحكومات بهيئاتها ومؤسساتها المختلفة من خلال رؤية موحدة تنحي جانباً كل الاختلافات والمصالح الضيقة. وينبغي أن يكون للعلماء وأهل التربية والإعلام دور الريادة في هذا الأمر لأن الأمة تتلقى من خلالهم القيم والمبادئ التي تشكل في النهاية قناعاتها الفكرية والعقدية.