داود الشريان

خطاب الرئيس السوداني عمر البشير في جوبا أمس ذكرنا بالحال التي وصل اليها أبو عبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة، عشية خروجه من قصر الحمراء باكياً ومستسلماً لـ laquo;ايزابيلا وفريناندوraquo;، كان البشير عاطفياً في موقف لا مجال فيه للعواطف، فجأة تذكر البشير أهمية الوحدة للأمن والرخاء، وبدأ بعض زعماء السودان يتذكر عدالة الحكم ومسؤوليته، وحكمة السياسة، ويتحدث عن ضرورة حل أزمة دارفور، وكفالة الحريات، والتنوع والتعدد، وعظمة الوحدة، ويرفض سياسات تكفير الجنوبيين، والتطهير العرقي، وإشاعة البغضاء والطائفية بين أبناء الشمال والجنوب، والتفريط في السيادة، والاستخفاف بمنطق السياسة الدولية الراهن.

بقي من مشهد التقسيم، الذي بات وشيكاً، ان تظهر على وسائل الاعلام عائشة سودانية، لتقول لبعض الساسة السودانيين في الشمال laquo;كفاك التباكي كالنساء على وطن لم تستطع أن تدافع عن وحدته كالرجالraquo;، تماماً مثلما قالت، قبل اكثر من خمسة قرون، والدة آخر ملوك غرناطة أبو عبدالله الصغير، وهو يبكي ويتحسر، واقفا على هضبة laquo;البادولraquo;، المطلة على قصر الحمراء: laquo;أجل فلتبكِ كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجالraquo;.

الأسئلة التي يطرحها السودانيون، وكل العرب: لماذا لم تظهر هذه المرونة، والتعامل بواقعية مع ظروف السودان من قبل؟ لماذا لم يدرك بعض السياسيين في شمال السودان الإشارات، والتحركات التي تحدث، وتتطور منذ اكثر من عقدين من الزمن؟ لماذا يجري تكرار اخطاء النظام العراقي السابق؟ هل يعتقد نظام البشير ان الغالبية الساحقة من سكان الجنوب سترفض الاستقلال من أجل وعود وشعارات ملّ منها الشماليون قبل الجنوبيين؟

الأكيد ان الحديث عن الوحدة، بات عبثاً سياسياً، وترفاً فكرياً، القضية اليوم تتطلب منع المزيد من التدهور، ولجم الاشكالات التي ستنشأ بسبب الانفصال ونزاع الحدود المرشح للتفاقم، وتوزيع الثروة. السودان اليوم بحاجة الى رؤية تستبدل الواقعية وسعة الأفق، بالعواطف والأحلام التي انتهى زمن تفسيرها. ملفت تكرار العرب للأخطاء على هذا النحو المفزع.