راجح الخوري

لم يطلب البابا بينيديكتوس السادس عشر من زعماء العالم حماية المسيحيين الاقباط في مصر بعد المجزرة البشعة التي شهدتها الاسكندرية ليل رأس السنة.
ربما كان على امام الازهر الشريف احمد الطيب الذي ندد بالهجوم الارهابي، ان يقرأ جيدا كلمات البابا الذي قال حرفيا:
quot;في مواجهة التوترات التي تحمل تهديدا في الوقت الراهن وامام اعمال التمييز والتجاوزات وخصوصا مظاهر التعصب الديني، الاقوال لا تكفي، بل يتعين على مسؤولي الامم ابداء التزام عملي وثابتquot;.
ليس في هذا الكلام اي شكل من اشكال التدخل في شؤون مصر الداخلية. التدخل العاصف والاجرامي جاء عن يد الارهابيين الذين نفذوا مجزرة الكنيسة. على الاقل وفق ما قاله الرئيس حسني مبارك من ان الدلائل تشير الى quot;تورط اصابع اجنبية تريد ان تجعل من مصر ساحة لشرور الارهابquot;.

❐ ❐ ❐
في الاساس والجوهر، كل حديث عن حاجة المسيحيين في مصر والعراق واي بلد من هذه المنطقة البائسة، التي يشدها البعض الى التطرف والتعصب ورفض الآخر، انما يشكل ادانة صارخة للانظمة السياسية وللمسؤولين في هذه المنطقة.
وبالتأكيد على طريقة quot;لقد أُكلت يوم أكل الثور الابيضquot;، فإن الدعوة الى حماية المسيحيين في الدول الاسلامية من القتل والتنكيل، انما تشكل غلالة رقيقة لا تخفي الحاجة الملحة الى حماية المسلمين انفسهم من القتل والتنكيل على ايدي الارهاب والتطرف، ومن لا يصدق، فهذه الدماء في الجزائر لا تزال حارة، وها هو الارهاب وقد ضرب في امكنة كثيرة في قلب الدول الاسلامية.
طبعا لا يكفي ان يقف الرئيس المصري ليتحدث الآن عن اصابع خارجية، بعد مسلسل طويل من الكر والفر ساعة بالنار وساعة بالدم بين المسيحيين الاقباط والمسلمين المتشددين، وخصوصا الآن بعد اسبوعين من بيان quot;القاعدةquot;، الذي هدد بضرب كنائس في مصر وبينها كنيسة القديسين التي تعرضت للهجوم.
هذا لا يكفي ابدا، ليس خوفا على الاقباط في مصر فحسب، بل خوفا على المسلمين فيها، لا بل خوفا عليها. فلا هذه مصر ولا هذا تاريخها ولا هو دورها التنويري. نعم ليس خوفا على المسيحيين في مصر بل خوفا على مصر التي تحتاج الى استذكار دورها الواعي المفترض الذي يتراجع.
والذين اختاروا معايدة الاقباط بالحديد والنار والدم والاشلاء وقد ملأت جدران الكنيسة، لن يردعهم وجدان او ضمير عن معايدة المسلمين غدا بالاسلوب الارهابي اياه يضرب في الجوامع، ولنا مما يحصل في العراق ما يكفي لنقع في ذعر على مصر كما على اي دولة عربية او اسلامية، يقصّر فيها النظام وتتراخى الدولة الى درجة سمحت وتسمح بأن تكون تلك المنطقة مسرحا مفتوحا على المآسي والدماء والقتلى.

❐ ❐ ❐
لم يعد الكلام يكفي احدا او يغطي احدا. فهناك دائما quot;خارجquot; وquot;اصابع خارجيةquot; منذ قيام الشر في البشرية كان هناك quot;خارج شريرquot;.
لكن السؤال الاهم: ماذا فعل الداخل المسؤول؟ ماذا فعل النظام الذي يفترض ان يمنع quot;الاصابع الخارجيةquot;؟
لا حاجة بأحد الى البحث عن الاجوبة، فليست جثث الاقباط وحدها التي مزقها الانفجار. ثمة مساحة كبيرة من هيبة النظام والسلطة والدولة تمزقت وسالت منها الدماء. والانظمة تنزف مثل الناس وتهوي مثل القتلى وتموت مثل البشر.

❐ ❐ ❐
ان طوفان بيانات الادانة والتنديد لن يتوقف بعد المذبحة المروعة، لكن ما يثير الذعر ان شبابا مصريين انهمكوا في الاسكندرية والقاهرة في مطاردات ومواجهات وهم يصيحون: quot;بالروح بالدم نفديك يا صليبquot;، وهو ما يناقض روح الصليب ومعناه وقيمته وبشارته وتضحيته ومن سُمّر عليه. وفي المقابل صاح اشقاؤهم في الوطن والهوية: quot;بالروح والدم نفديك يا محمدquot;، وهو ما يناقض روح الاسلام وتسامح الاسلام وهداية محمد.
ان المثير في كل هذا، لا بل المرعب، انك تتحدث عن مصر وارثة الحضارات وليس عن نيجيريا وروح القبائل. المرعب اكثر ان صراخ الشباب في هذا الجانب او ذاك: quot;بالروح بالدمquot; يطعن المسيح بحربة جديدة ويسمّره مجددا على الصليب، ويطعن الاسلام في جوهره ورسالته التي اوصلته ذات يوم الى الاندلس والصين ليس بالسيف وحده بل بالفكر والتسامح.
المرعب ان صراخ الشباب طغى على كلام حسني مبارك، الذي يدرك الآن اكثر من غيره ان الهجوم الاجرامي على الكنيسة، ليس مجرد لفح من quot;رياح الموصلquot; المجنونة يضرب في الاسكندرية بل في اعمدة النظام ومرتكزات السلطة وفي ابواب الجمهورية.
بالتأكيد يصبح الامر مثيرا للذعر اكثر، عندما نطل من حطام الكنيسة في الاسكندرية على quot;حطامquot; السودان. فبعد ايام يقرر جنوب السودان المسيحي الانفصال بعد حروب ومآس. وثمة من سيتذكر في مصر ولو مجرد تذكّر، ان الاقباط 12 مليون نسمة . ان مجرد التفكير بهذا مأساة ترسم صورة شرق يتمزق!
لكن المهم ان تتذكر منظمة العمل الاسلامي، التي ستعقد قمتها في 16 و17 آذار المقبل في شرم الشيخ، ان ما جرى في الاسكندرية ليس مجرد نسف كنيسة بل تفخيخ، لن يلبث ان يدمر الانظمة العربية والاسلامية كلها، وان المنتصر الوحيد في كل هذه الفواجع هو الصهيونية!