شملان يوسف العيسى

يتوجه مواطنو الجنوب في السودان يوم 9 يناير الحالي للإدلاء بأصواتهم في استفتاء يقررون فيه هل يستمر السودان كبلد موحد أم ينقسم إلى دولتين؟ وهذا اليوم سيكون يوماً تاريخيّاً في تاريخ هذا البلد المنكوب الذي لم يتمتع بالاستقرار طويلاً منذ استقلاله في الخمسينيات.

والسؤال هنا: هل ستحظى نتائج تصويت يوم 9 يناير بقبول الشمال والجنوب معاً لتمهد الطريق لتحقيق وحدة قوية، أو انفصال أخوي ينال قبولاً إقليميّاً ودوليّاً؟ وهل سينعم السودان بالاستقرار بعد انفصال الجنوب عنه؟ معظم المؤشرات والدراسات الأكاديمية والاستخبارية والصحفية تتوقع ازدياد العنف والحروب بين الشمال والجنوب لمدة طويلة، وبل يتوقع البعض أن تكون تكلفتها على السودان أكثر من 100 مليار دولار.


والتساؤل مرة أخرى: لماذا تشهد منطقتنا العربية دائماً حالة عدم الاستقرار والحروب الأهلية وتفشي ظاهرة تمزق الدول، مما خلق حالة من عدم الاستقرار والعنف والإرهاب في هذه المنطقة؟ والأمثلة كثيرة، آخرها العراق والصومال والسودان، وهناك دول أخرى في الطريق إذا لم تسُد الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي والسياسي هذه البلدان.
وبما أن مقالنا يركز على السودان، لماذا تردت الأمور فيه إلى درجة البحث عن الانفصال كمخرج لحل المشاكل؟ هنالك أسباب كثيرة أدت إلى تدهور الأمور في هذا البلد العربي الإفريقي، ومنها على سبيل المثال غياب الديمقراطية بشكل عام، وعدم الاهتمام بتنمية البلد سواء في الشمال أو الجنوب، كما أن مركزية وتعسف السلطة منع المحاولات الجادة من المعارضة في الشمال والجنوب لتحقيق الوحدة بين أبناء البلد الواحد، لأن قتال المتمردين الجنوبيين ضد حكومة الشمال بدأ في الستينيات حتى عام 1972، بعد أن حصدت الحرب نصف مليون سوداني، غير أن هذه الهدنة بين المتحاربين لم تدم طويلاً حيث عادت الحرب عام 1983 بقيادة quot;الجيش الشعبي لتحرير السودانquot;، وقد توالت فترة تصعيد دامية لم تنتهِ إلا عام 2005 بعد محادثات مضنية ومساعٍ دبلوماسية سرية توجت بتوقيع اتفاق السلام الشامل. وقد نص هذا الاتفاق على تخويل الجنوب نوعاً من الحكم الذاتي يتمتع بموجبه بدستور على أساس الفصل بين الدين والدولة.

ويرى مراقبون أن الاختلاف الأيديولوجي بين الشمال والجنوب يجعل الانفصال أمراً طبيعيّاً ومتوقعاً، فـquot;الحركة الشعبيةquot; في الجنوب تدعو إلى قيام سودان جديد مرجعيته الثقافة العلمانية والإفريقية.. بينما الشمال تركز قيادته على الإسلام والعروبة. وهذا الوضع غير الطبيعي خلق حالة من انعدام الثقة بين القيادات السياسية في الشمال والجنوب.. ففجوة عدم الثقة بين الطرفين عرقلت كل الخطوات الجادة للصلح للوصول إلى سلام دائم بينهما.

وقد تذمرت الحكومة السودانية واشتكت من التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية، سواء من أطراف مثل إسرائيل وأميركا، أو جماعات ضغط أميركية ودولية مثل اللوبي المسيحي، واللوبي الإفريقي، وجماعات مناهضة الإرهاب، والمنظمات المعادية للرق، وجماعات حقوق الإنسان، أو تلك المدافعة عن الحريات الدينية.. وكلها عملت على تمهيد انفصال الجنوب عن الشمال، وربما ساعدت على ذلك أيضاً ثورة المعلومات والاتصالات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة.

وتبقى في الأفق أزمات وعقبات عالقة كثيرة قادمة مثل أزمة منطقة quot;أبييquot;، وملفات الحدود وسكان الجنوب في الشمال وسكان الشمال في الجنوب، وتقاسم إنتاج النفط، وغيرها من المشاكل التي ستحتل الصدارة في الأخبار في العام الجديد.