داود البصري

وزارة الداخلية العراقية أم الفساد فملفات الرشوة والمحسوبية في دوائرها عامرة بالفضائح

الصراع الشرس على المناصب في العراق تميز بوحشيته وبحالته الانتهازية وباتت جميع القوى السياسية العراقية لا تؤمن أبدا بعقلية المعارضة البرلمانية, بل تفضل التمتع بامتيازات السلطة والنهل من ينابيعها وترفها والتقاتل بالمناكب على المناصب , وقد ظلت الوزارات الأمنية كالدفاع والداخلية مفتقدة لترشيح أي شخصية سياسية لحساسية تلك الوزارات وحرص الأحزاب المتنفذة على السيطرة عليها مباشرة لان في ذلك مفاتيح السيطرة الحقيقية على العراق الضائع بين المشاريع والرؤى والأحلام والأجندات , ووزارة الداخلية العراقية بما لها من أهمية استثنائية قصوى في زمن الإرهاب والفوضى ومحاولة بناء الهياكل القوية والفعالة للدولة العراقية الجديدة ظلت هي الهدف الأسمى لمختلف التطلعات , فمن يجلس على عرش وزارة الداخلية المليء بالدبابير والثعابين السامة والعقارب السوداء والعامرة بكل ملفات الفساد والإفساد والتنفيع فإنه سيكون مهيمنا على ملفات حساسة وستراتيجية بطبيعة الحال , ورغم الدعوة العلنية الى توزير شخص حرفي وتكنوقراطي بعيدا عن المحاصصة الحزبية والطائفية, إلا أن لأحد المرشحين للوزارة, وهو وكيلها الأقدم بائع الخضراوات والمضمد والصراف وتاجر الذهب الدنماركي السابق الذي تحول لرتبة لواء أركان حرب السيد عدنان هادي الأسدي رأيا آخر في الموضوع عبر عنه قبل أيام تلفزيونيا بالقول ان وزير الداخلية ينبغي أن يكون حزبيا لا مستقلا لكي لا يخضع لضغوط الآخرين وليبقى ثابتا على رؤية وسياسة حزبه وهو طبعا يقصد الترويج لنفسه بإعتباره أحد أعضاء حزب quot;الدعوةquot; من الفرع الذي يتزعمه نوري المالكي , فmacr; quot;الدعوةquot; كما تعلمون تحول دعوات وتيارات متضاربة منذ زمن طويل ! ويبدو أن عدنان الأسدي الذي يروج لنفسه من خلال الآخرين أيضا بات لا ينام الليل اذ تؤكد معلوماتنا الخاصة بأنه يتصل لأكثر من ثلاث مرات يوميا بمكتب نوري المالكي متسائلا عن الشخصية التي سيختارها الأخير لتولي حقيبة الداخلية التي يتطلع إليها تطلع الولهان الى معشوقته , فالسيطرة على وزارة الداخلية تعني أساسا بناء المواقع المستقبلية وتعزيز الوجود السلطوي لحكومة quot;دعويةquot; تحاول الهيمنة على مفاتيح ومفاصل الدولة العراقية تمهيدا لقيام دولة حزب الدعوة الحلم وحيث لن يسلمها الدعويون كما كان العباسيون وبعدهم البعثيون يتأملون سوى للمسيح المنتظر. وهوطبعا حلم إبليس في الجنة فالوقائع تشير إلى أن السلطة في العراق لن تخرج أبدا عن إطار المحاور والرغبات الدولية والمصالح المتغيرة , ومن جعل نظام صدام حسين الشرس والعدواني مجرد quot;دمعة في التاريخquot; لن يتردد أبدا في تغيير كل قواعد اللعبة لوحتمت الظروف ذلك. إنها لعبة السلطة والموت لشعوب الشرق القديم وإياك أعني واسمعي يا جارة.
ولعل واحدا من أكبر المنافسين للواء أركان حرب عدنان الأسدي هوالمفتش العام الحالي لوزارة الداخلية منذ عام 2005 السيد عقيل الطريحي, وهو اسم قد تردد كثيرا خلال الأسابيع الماضية , وهذا المرشح لا يعرف عنه الكثير سابقا وسنحاول في هذا المقال سبر أغوار تاريخه وتتبع ملفه لتسليط الأضواء على عناصر سلطوية باتت تتواجد في محيط السياسة العراقية الحافل والعامر بالعجائب والمفاجآت , والسيد عقيل هو مرشح قوي ومحتمل للوزارة , فمن عقيل الطريحي?
إنه عقيل عمران محمد سعيد الطريحي , من مواليد مدينة كربلاء عام 1964, ويتحدر من أسرة متواضعة وعلمية ومعروفة أصلها من مدينة النجف ولكن عقيل من أهل كربلاء , والده السيد عمران الطريحي كان من الدعاة القدماء (أي من الجيل القديم لحزبquot;الدعوةquot;) في أواسط خمسينيات القرن الماضي , ولكنه تخلى عن الارتباط الحزبي quot;الدعويquot; منذ مرحلة السبعينات وتفرغ لعمله الخاص ولتربية أبنائه , درس عقيل الطريحي في كلية القانون والسياسة قسم القانون في جامعة بغداد , وتخرج عام 1987 , لم يلتحق بالخدمة العسكرية الإلزامية , ولكن نظام صدام كان قد أصدر مطلع عام 1988 قرارا بإعدام المتخلفين عن الخدمة العسكرية ما اضطره للانخراط في الجيش العراقي كجندي عادي ثم انتمى الى نقابة المحامين العراقيين, وهو في الجيش عام 1989 , اشترك بشكل فاعل في أحداث الانتفاضة الشعبية في ربيع عام 1991 بعد الهزيمة العراقية في الكويت في معارك كربلاء ضد السلطة ثم بعد تدخل الحرس الجمهوري وقمعه للجماهير المنتفضة رحل جنوبا بصحبة الثوار المنسحبين لمدينة صفوان على الحدود مع دولة الكويت, وحيث أقام في معسكر لاجئين تابع للأمم المتحدة وبإدارة quot;قوات التحالفquot; وحيث فضل مع 3000 عراقي آخر اللجوء والرحيل صوب إيران, وهناك اشتغل في صحيفة quot;الجهادquot; التابعة لحزب quot;الدعوةquot; في طهران ككاتب مقال , وكتب مقالات أدبية رفيعة المستوى إلى حد ما بتوقيع عقيل سعيد بعد ذلك لم تعجبه الحياة لا في طهران ولا في صحيفة الجهاد , فخرج للشام ليعيش في سورية كالآخرين وليواصل من هناك كتاباته في نشرة quot;الموقفquot; التابعة لحزب الدعوة والتي كان يصدرها نوري المالكي , ويراسل أيضا مجلة quot;الفكر الجديدquot; الصادرة في لندن والتي كان يديرها السيد حسين الشامي, وحيث كتب بها بحوث علمية وأكاديمية بحتة وكالعراقيين الآخرين قرر الخروج من سورية والبحث عن لجوء آخر أكثر أمنا واستقرارا ودخلا وحياة كريمة فسافر وعائلته الى الدنمارك وحصل على اللجوء هناك عام 1996, وظل يمارس نشاطه الكتابي من هناك بعيدا عن الإنتماء لأي جهة سياسية معارضة حتى سقط نظام صدام حسين عام 2003 ليعود الى دمشق ويركب من هناك في السيارة نفسها التي أقلت نوري المالكي في طريق العودة الى العراق وحيث ذهب لملاقاة أهله في كربلاء مع التردد الدائم على بغداد في وقت كانت الأمور فيه في العراق ضائعة ولم تتشكل بعد أي تشكيلات حكومية عراقية كما كانت الفوضى الأمنية تضرب أطنابها في بلد محتل ومنهار القوى , الصدفة وحدها هي التي قادته للمناصب وبفضل العلاقات الشخصية وحدها فقد كان نائب الرئيس العراقي وقتها إبراهيم الجعفري يبحث عن شخص ليتولى منصب مفتش عام في وزارة الداخلية بعد إعادة تشكيلها فتوسط أحد أصدقاء الطرفين وهوشخصية سياسية عراقية معروفة ومرموقة أترك اسمه للزمان لترشيح السيد عقيل الطريحي لذلك المنصب خصوصا وأنه- أي عقيل- يمتلك خلفية قانونية تتيح له مباشرة مسؤولياته الحساسة , وفعلا فقد سعى إبراهيم الجعفري الى تعيين الطريحي في ذلك المنصب بعد رئاسته للوزارة مطلع عام 2005 ووزارة الداخلية العراقية لمن يعرف الأوضاع, هي أم الفساد في العراق , فملفات الوساخة والرشوة والمحسوبية والشطط في استعمال السلطة وملفات السرقة والإفساد عامرة بها وتعج بدوائرها, وقد اطلع الطريحي بحكم منصبه على ملفات فساد رهيبة لم تتح له الظروف السياسية إعلانها , كما أن رغبات رئيس الوزراء كانت تمنع على الدوام من إعلان الحقائق لأنها محرجة لأطراف كثيرة وإعلانها ستترتب عليه مضاعفات غير مرغوبة في عراق هش , وفساد وزارة الداخلية العراقية الأسطوري انعكس بحكم الضرورة وطبائع الأمور على الاتهامات المثارة ضده شخصيا وهي وفقا لمعلوماتنا اتهامات ظالمة ومجحفة بحق الرجل الذي يتصرف بمهنية محضة , فهونزيه لا يمتلك ما يثير الشكوك فمثلا عاتبه البعض على أن الرشوة متفشية في وزارته وان اصدار جواز السفر العراقي لا يتم إلا بعد دفع رشوة مقدارها 300 دولار! وفعلا باشر إجراءات النقل والتغيير الإداري فارتفعت قيمة الرشوة المتوجب دفعها للحصول على جواز السفر لأكثر من 1000 دولار! ما اضطره الى الغاء الإجراءات التغييرية لتعود سعر بورصة الرشوة 300 دولار. إنها مهزلة الفساد العراقي العظيم والذي تعتبر وزارة الداخلية العراقية أول باب من أبواب مغارة علي بابا العراقية الأسطورية.
اختيار عقيل الطريحي لوزارة الداخلية قد يساهم في تصحيح جزء بسيط من صورة المشهد العراقي الخرب , وقد يكون الخطوة الأولى في طريق طويل للإصلاح , والرجل لا غبار عليه من الناحية المهنية الصرفة قياسا بقطط سمينة طائفية أخرى, هذا ما لدينا والله أعلم.