عبدالحميد الانصاري
إن الحياة بخيرها وشرها تستحق أن يحياها الإنسان، وأن الجنة وحورها لا تبرران أبداً أن يتخلص الإنسان من حياته بتفجير نفسه في المخالفين أو باعتناق ثقافة الموت، لا ينبغي للإنسان أن ينظر بسوداوية إلى الحياة فيعمد إلى ارتكاب جرائم يروح ضحيتها أبرياء، هذه خلاصة تجربة متطرف تائب، إنه خالد البر الذي روى قصة حياته مع الجماعة الإسلامية المتطرفة في مصر في كتيب laquo;الدنيا أجمل من الجنةraquo; صدرت طبعته الأولى من دار النهار ببيروت يوليو 2001 أي قبل شهرين من هجمات 11 سبتمبر، تحدث المؤلف عن كيفية انضمامه إلى الجماعة المتطرفة عندما كان مراهقاً في الـ 14 يعلب كرة القدم في الشوارع فجرهم الحديث إلى علاقة الجماعة الإسلامية بأحداث العنف بأسيوط، فقال عبارة سمعها من ابيه laquo;عبدالناصر هو الذي فهمهم وحطهم في السجن، لو كان سابهم كانوا قتلوه زي ما قتلوا الساداتraquo; كانت هذه العبارة هي مفتاح الجدل الحامي حول: وجوب إقامة دولة اسلامية تحكم بشرع الله وتحفظ كرامة المسلمين وتدافع عنهم في وجه الظلم الذي يتعرضون له في الأرض كلها، بعد هذه الواقعة بدأ أفراد الجماعة الإسلامية يدعونه للصلاة في مسجدهم، حيث كان الشيخ ينظم حلقات دروس يومية لتعليم مبادئ الفقه والسنة والسيرة، يقول المؤلف إن هذه الدروس كلها مبادئ عامة ولا تشير إلى فكر الجماعة الإسلامية على وجه الخصوص، لكن بمرور الأيام بدأ الشيخ يكلفه بإعداد موضوع عن حكم الغناء في الإسلام وكان مولعاً بأغاني ميادة الحناوي كثيراً وأعطاه كتاب تلبيس ابليس، ولما انتهى من بحثه سلمه إلى الشيخ فهنأه وأثنى عليه وطلب منه أن يلقي البحث على الحضور، لكن نبهه الى أنه وقد أصبح عالماً بحكم الغناء فإن هذا يضع عليه مسؤولية عظيمة ويجعل حسابه عند الله أشد إن عصاه، وهكذا تخلص من كل شرائط الأغاني، وعندما تخلف عن صلاة العصر لمشاهدة مسرحية، قال له الشيخ ان من ينظر إلى المرأة التي لا تستر جسدها فهو آثم ومن ثم عرج على تحريم مشاهدة التلفزيون، فاتخذ قراراً بالامتناع عن المشاهدة، وحدث أن فريق اللعب رفض مشاركة أحد الأولاد لأنه مسيحي ولجؤوا إلى الشيخ الذي قال لهم بوجوب البراءة من الكفار، ومع أن المؤلف التائب درس في مدرسة مسيحية إلا أن الشيخ زرع كراهية المسيحيين في نفسه بحجة أن laquo;ملة الكفر واحدةraquo; وأن الغرب المسيحي يساند إسرائيل اليهودية خوفاً من عودة المسلمين إلى دينهم وعزتهم وقوتهم، وهكذا انخرط هذا المراهق في سلك الجماعة المتطرفة وصار عضواً ناشطاً ثم زعيماً منظراً واشترك في حوادث اعتداء على الصاغة المسيحيين بحجة أن أموالهم حلال بحسب فتوى الشيخ لهم، ثم قبض عليه عام 91 وسجن ليخرج بعد ذلك تائباً ويكتب قصة حياته طوال 5 سنوات مع جماعة التطرف، يقول: حتى صيف 1987 لم أكن اعتبر نفسي عضواً في الجماعة، كنت أحبهم وأتعاطف معهم وهم يهتمون بي كثيراً، كنت مؤمناً بأنهم القادرون بإخلاصهم وشجاعتهم على الانتصار لهذه الأمة، ويشير إلى قضية هامة وهي طريقة الوعاظ في التوعية الدينية وينتقدها ويقول: كنت أحس بأنهم يرددون كلاماً ضحلاً يستطيع فتى مثلنا في 16 أن يفنده، ويختم المؤلف كتابه: وهكذا أقبلت على الحياة انساناً مختلفاً، لكنني بالتأكيد أكثر تسامحاً واحساساً بإنسانيتي وانسانية الآخرين، الكتاب ممتع ومفيد وهو رحلة مراهق في صفوف الجماعة الإسلامية بحثاً عن الحقيقة ليكتشف بعد ذلك أنه لا توجد حقيقة مطلقة، بدأت بلعب كرة القدم فالتردد على المسجد ثم الانغماس بأعمال اجرامية بحجة إقامة دولة الإسلام القوية والقادرة على تحرير أرض الإسلام السليبة في فلسطين والأندلس وعلى فرض النموذج الإسلامي في العالم كله وإدخال الناس الجنة مقيدين بالسلاسل.
ولا ينسى المؤلف أن يشير إلى التأثير الغلاب لكتب سيد قطب ومحمد قطب لدرجة أنه حفظ أجزاء منها وكان يحاكي أسلوب سيد قطب في الكتابة حتى لقب بسيد قطب الصغير، ثم صارت مجادلة المخالفين فكرياً من جماعة الاخوان وغيرهم بالحجج الشرعية هي هوايته المفضلة وبخاصة أنه حفظ القرآن الكريم واحاط بالسيرة النبوية، هذا الكتاب أراه ضرورياً لكل من يعمل في حقلي الدعوة والتعليم، وأعجب كثيراً أن يصدر الأزهر قراراً بمصادرته، ولو كنت مسؤولاً دينياً أو أمنياً لأمرت بتوزيع الكتاب على كافة الدعاة والمعلمين لأنه يبين لهم مواطن الضعف في أساليبهم الدعوية والتعليمية فيتجنبوها لمصلحة تطوير خطابهم، ولعل الذين صادروا الكتاب راعهم العنوان: laquo;الدنيا أجمل من الجنةraquo; فوجدوه خارجاً! وهو عنوان مجازي لا يقصد المؤلف حقيقته ويجب أن يفسر في سياقه الظرفي، يريد المؤلف أن يقول ان الدنيا على سيئاتها هي أفضل من هذه الجنة التي يعد بها الجماعات المتطرفة لإغراء الشباب على تفجير أنفسهم، الدنيا أفضل إذا كان ثمن الجنة أن يتخلص الانسان من حياته، قصة التطرف واحدة شرقاً وغرباً، هناك دائماً المحرض الذي يغرس فكر الكراهية في نفسيات قلقة لم تأخذ حظها من الجرعات الوقائية ضد التطرف، ويبدأ التطرف دائماً بالتحريض ضد الأنظمة العربية بحجة أنها أنظمة علمانية لا تطبق الشريعة بحسب المفهوم الضيق للجماعة المتطرفة، ويرسخ الكراهية ضد النظام العربي برمته عبر تفسيرات منحرفة لنصوص قرآنية مثل laquo;ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرونraquo; وهكذا ينزلق الشباب المضلل في أحضان جماعة التطرف التي تصور العالم كله مؤامرة على الإسلام فيزداد الشباب كراهية وبغضاً ولا يكتفي هؤلاء بذلك بل يضيفون أن الأنظمة العربية أنظمة ظالمة تقمع الإسلاميين الحقيقيين وتضطهدهم في سجونها فلا بد من الثأر من هذه المجتمعات التي ترضى بهذه المظالم ولعل أبرز تلك المراجعات ما فعله المنظر الشرعي السابق للجماعة الجهادية في مصر والذي وضع كتابين أصبحا دستوراً للحركات المتطرفة، هو الدكتور فضل الذي وثق مراجعاته في كتاب باسم laquo;وثيقة ترشيد العمل الجهاديraquo; قال فيه ان القاعدة تمثل مذهباً اجرامياً دموياً لتأصيل نظرية الإسراف في سفك الدماء بالجملة.
التعليقات