بدرية البشر


لولا أن حديثه كان عن الجنة ونعيمها، لظننت أنك أمام ممثل كوميدي يقدم فن الارتجال المسرحي المعروف بـraquo;ستاند أب كوميديraquo;، ولولا أنه يعظ، دينياً لقلت عنه laquo;دمه خفيفraquo;.

يمكن أن نعتبر خطابه ثورة في الخطاب التنويري، فقد كان خطاباً من أجل مساواة المرأة في الحقوق، ولكن في الجنة. ويجب علينا ألا نفقد الأمل، فمثلما تقدم الخطاب الديني لدينا بعد 30 عاماً من عمر الصحوة، والذي كان يحتكر الثواب للذكور، فها هو الخطاب الجديد جاء مبشراً بأن للمرأة حقوقاً في الجنة، مثلها مثل الرجل، ويمكن أن نصبر ربما 30 أو 50 عاماً أخرى ليخرج علينا من يبشر بحقوقها على الأرض، لاسيما أن بعضهم قد بدأ اليوم، لكن وحيداً ومحارباً.

هذا الكلام أقوله بعد أن شاهدت تسجيلاً بالصوت والصورة لدرس ديني تحضره نساء ورجال، ويلقيه شاب ظريف. لكن خطابه لا يمتُّ للدرس الديني بأي صلة، فلولا بعض الآيات والأحاديث النبوية التي يستشهد بها لظننت أنه يقدم عرضاً كوميدياً، فهو يستخدم اللهجة المحلية، ومقاربة لمستوى الغوغاء ومفرداتهم، تصل أحياناً إلى مستوى laquo;السوقيةraquo; في الشتائم، مثل اللعن، أو قوله laquo;أبشري يا امرأة، ففي الجنة سيضع الرجل يده على خدك لا ليسطرتس (يصفعك) بل ليمسد الشعر الذي على ظهركraquo;، وعند كل حالة تعجب يضع يده على رأسه ويصيح laquo;يا ويلي ويلاه، يا ربي رباهraquo;.

أما عن حالات النعيم التي يبشر بها المرأة في الجنة فهي laquo;ستقودين سيارةraquo;. ويبشر الرجل بأنه سيشرب الخمر، ثم يتوقف طويلاً يشرح لجمهوره كيف يُشرب الخمر في الجنة فيقول: إنهم في الدنيا يخلطونه بالبيسي والسفن أب - (هذا الشيخ خبير في كل شيء ما شاء الله) - لكن في الجنة ستخلطه بـ... ثم يتردد الشيخ، ويحاول أن يوضح من دون أن يخدش حياء النساء اللاتي يستمعن للمحاضرة، فيقول: إن الحورية إذا بصقت في البحر تحوله إلى ماء عذب، وأنت ستخلطه بماذا إذن؟ ثم.. هل فهمتم؟ ثم حركة تمثيلية أخرى ويضع يده على رأسه، ويصيح يا ويلي ويلاه. يسخر هذا الشيخ من جهل بعض الناس. فقد سأله أحدهم: هل في الجنة laquo;بلاي ستيشنraquo;؟! وآخر سأله إن كان يوجد نوع من السيارات يحبه. وآخر يتمنى لو يستطيع من شدة حبه لبلدته أن يطل ليرى ما جرى عليها. يسخر منهم، لأن الشيخ يعتبر أي سؤال يخرج عن النساء والخمر ليس من المتع التي يُسأل عنها.

أصحاب الخطاب الديني لا يجدون بأساً في استثمار كل حالة لترويض الناس لخطابهم وأيديولوجيتهم، فهم يستعينون بمُفحِّط خرج من السجن يُلقي دروساً وعظاتٍ، أو الساخرين وأصحاب النكات الفجة، وعلى رغم أنني لا أعترض على أن يوظف الناس تجاربهم ليتخدها الآخرون عبرة، لكنني أعترض على طرح مواقف متشددة أو محدودة في فهم الحياة والدين واعتبارها الطريق الوحيد للصلاح والهداية. قد يقول البعض إن هذه تجارب لإرشاد الناس وهدايتهم، وأظنها كذلك لو كانت هذه الأنشطة متاحة لجميع أصحاب الأنشطة الإصلاحية الأخرى كالجمعيات الخيرية والنسائية، وجمعيات حقوق الإنسان، والجمعيات الثقافية والصحية، الذين من حقهم أن يحظوا بالفرصة ذاتها لتثقيف الناس. لكن هؤلاء في الحقيقة لا يسمح لهم بأن يجتمعوا بالناس في الأماكن العامة أو في المنتديات الكبيرة، فقط هذا النوع من الإرشاد الديني laquo;الحكواتيraquo; الذي يخوض فيه الجميع، حتى ولو اقتصرت مواضيعهم على اثنين لا ثالثَ لهما هما: laquo;لقاء النساء وشرب الخمر في الجنةraquo;.