يوسف الكويليت

العلاقات الدولية ارتقت من حالات الأحلاف والتابعين لمركز القوة، إلى منافذ أكثر اتساعاً، إذ لم تعد السياسة هي من تقرر درجة حرارة تلك العلاقات أو برودتها، بل نشأ في ظل العولمة مصالح إستراتيجية واقتصادية، ولم تعد الأحجام الجغرافية سبباً في القرب أو القطيعة، بل العملية تبادلية، فالقارتان الأفريقية واللاتينية الأمريكية كانتا خارج اهتمامات الدول إلا بتوريث الأيديولوجيا في نزاع القوتين أثناء الحرب الباردة بين السوفيت والغرب، دخلتا الآن اهتمام الصين لتكون حافزاً للدول الأخرى في عقد اتفاقات واستثمارات قد تغير مجرى حياة شعوب القارتين..

عربياً دول الخليج العربي يتوفر لديها إمكانات مادية أكثر من غيرها، تجذب بها معظم دول العالم، حيث نشأت في ظل هذا الاهتمام جوانب صناعية وتربوية واستثمارات بين طرفي العلاقة، وحتى مع الدول العربية الأخرى نجد أن المبادلات الاقتصادية، على قلتها بسبب العوائق الإجرائية، إلا أنها الأفضل مع دول مجلس التعاون، ومع أن الإمكانات متوفرة بدول المشرق والمغرب العربية، إلا أن النظم غالباً ما تعيق تدفق الاستثمارات والخبرات العالمية، ولعل عودة تركيا كلاعب أساسي مع دول المنطقة، لا يأتي بسبب خيبة الأمل بعدم السماح لها دخول الاتحاد الأوروبي، بل لاستشعارها بأن جوارها وإمكاناتها التي ترشحها أن تكون قطباً جاذباً إلى جانب استقرارها السياسي والاجتماعي من خلال نظامها الديموقراطي، وخروج العسكر من اللعبة السياسية واعتساف القرارات عوامل تعطيها هذا البعد، وكنا نأمل أن تكون إيران تسعى لنفس الاهتمامات بدلاً من عسكرة نظامها ودعوته إلى خلق فوضى في المنطقة..

آسيا القادمة بقوة، هي شريك لنا بالجغرافيا والتاريخ، وعملية أن نوازن علاقاتنا مع كل الدول العالمية التي تملك الأخذ والعطاء معنا، تفسح المجال لتداول سلمي لكل الاتجاهات، ومنطقتنا التي لا تزال تعيش هاجس الحروب والأنظمة المتعسفة، لا بد أن تخرج من قناعات الماضي في بناء العلاقات وفق انتهاج سياسة متطورة تبدأ بإعادة النظر في الأنظمة والانفتاح على الآخر بمبدأ المصالح، ولعل موقع المنطقة الحساس في تقاطع القارات كان من المبكر استغلاله اقتصادياً لا جعله منطقة صراعات وحروب وقواعد عسكرية..

في المملكة نحن الأكبر اقتصاداً، ولا زلنا نتعامل مع علاقاتنا الدولية بانفتاح تام، ونظرتنا لا تحدد بشرق أو غرب، بل بمن نستطيع أن نتقاسم معه فوائد المبادلات التجارية والصناعية والتقنية، ولذلك نجد في كل مناسبة وفوداً قادمة من كل القارات ولا تقتصر الحوارات على الجوانب الدبلوماسية، وإنما اتسعت تشمل رجال الأعمال والأطباء والمهندسين ورجال التربية والثقافة وغيرهم، وهذا ما وسع دائرة المبادلات والفوائد العائدة لكل الأطراف..